أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
رحل المناضل الحقوقي المغربي سيون أسيدون يوم الجمعة 7 نونبر الجاري، بعد أسابيع في العناية المركزة، لكن موته لم يطفئ الأسئلة، ولم يهدئ الشكوك، ولم يقدّم للمغاربة الحقيقة التي يستحقونها.
أسيدون، الذي قضى حياته مناهضاً للتطبيع ومدافعاً عن الحقوق والحريات، يرحل على وقع غموض كثيف، ومعطيات متضاربة، وبلاغات رسمية لم تستطع أن تطفئ نار الريبة.
بلاغات السلطة:أكثر غموضاً من الحادث نفسه
رغم مرور أسابيع على حادث الغيبوبة التي تعرض لها داخل منزله في غشت الماضي، فإن بلاغات النيابة العامة بقيت مترددة، غير حاسمة، وغير كافية.
من جهتها حركة المقاطعة «BDS المغرب»، التي كان الراحل يشغل مهمة منسقها، وصفتها بأنها بلاغات لم تُزل الغموض بل عمّقته، لأنها:
لم تكشف بشكل كامل عن تسجيلات الكاميرات.
لم تفسر لماذا لم تُظهر كاميرات أخرى رغم وجودها في محيط المنزل.
لم تقدّم رواية دقيقة لتسلسل الأحداث التي سبقت سقوطه المزعوم.
أسئلة كثيرة ولا جواب.
الكدمات المريبة:طبٌّ يتحدث والسلطة تصمت
تقرير الفحص الطبي الأولي أشار بوضوح إلى وجود:
كدمات في الرأس
رضوض في مناطق مختلفة من الجسم
هذه المعطيات تستبعد فرضية السقوط العرضي، حسب ما أكدته حركة المقاطعة.
ومع ذلك، لم تقدم النيابة العامة أي تفسير لهذه العلامات، ولا أي رواية تربطها بواقعة "السقوط".
هذا الصمت الطبي/القضائي يزيد منسوب الشك ويجعل القضية بعيدة جداً عن الاطمئنان.
الكاميرات:الشاهد الذي لم يُسمح له بالكلام
أخطر ما في الملف هو قضية تفريغ الكاميرات، حيث تحدثت النيابة العامة عن كاميرات في بلاغها الأول يوم 19 غشت.
في حين حركة المقاطعة تؤكد أنّ التفريغ غير كامل، وبأن هناك كاميرا أخرى، كانت مثبتة في محيط المنزل، لم يُكشف عنها نهائياً، مما جعل الحركة تطرح مجموعة من الأسئلة من قبيل:
هل سُجلت لحظات ما قبل الحادث؟
هل ظهرت أشخاص أو حركات غريبة؟
هل كان هناك دخول غير طبيعي للمنزل؟
لا أحد يعرف… لأن الحقيقة محجوبة.
BDS المغرب..مطلب واضح:الحقيقة كاملة دون تجزئة
طالبت حركة المقاطعة بما يلي:
نشر جميع التسجيلات دون استثناء
الكشف عن تقرير التشريح الطبي كاملاً
الإجابة عن كل ما ورد في الفحص الأولي
تحديد المسؤوليات إن وُجدت
الإجابة عن سبب وجود الكدمات
إنها مطالب بسيطة في دولة تقول إنها تحرص على سيادة القانون…لكن الوضوح لا يزال غائباً.
من كان سيون أسيدون؟ ولماذا يثير موته كل هذا الحرج؟
لأن سيون أسيدون لم يكن شخصاً عادياً بل كان:
مناهض شرس للتطبيع،
مدافع عن حقوق الإنسان
صوت لا يشبه أصوات المؤسسات الرسمية
رجل عاش مستقلاً ومات في ظروف تثير الشك
شخص بهذا الوزن لا يجب أن يرحل وسط ضباب، وحادث وفاته لا يمكن أن يُقرأ فقط كواقعة منزلية،فرحيله يحمل أبعاداً سياسية، اجتماعية، ورمزية، لا تريد السلطة الاعتراف بها.
وفاة في زمن هش وحقيقة لا تزال غائبة
بعد أسابيع من التحفظ الرسمي، يبرز سؤال مركزي:
إن لم يكن هناك شيء يخيف، لماذا كل هذا الغموض؟ لماذا التأخير في نشر التحقيق؟لماذا تفريغ كاميرات ناقص؟ولماذا لا تُكشف التقارير الطبية كاملة؟
المغاربة اليوم لا يطالبون بمعجزة بل فقط بـالحقيقة
فالحقيقة وحدها كفيلة بإغلاق هذا الملف، وحماية صورة المؤسسات، واحترام رجل نذر حياته للدفاع عن العدالة.
موت سيون أسيدون امتحان للدولة
قضية وفاة سيون أسيدون ليست قضية عائلية خاصة، إنها قضية رأي عام، وقضية شفافية دولة، وقضية احترام مناضل عاش من أجل الحقيقة.ورحيله بهذا الشكل يكشف هشاشة البنية التي تدير الملفات الحساسة.
فإذا أرادت الدولة أن تُنهي الجدل، فعليها أن تكشف الحقيقة كاملة، وإلا فإن موت سيون أسيدون سيظل جرحاً مفتوحاً في ذاكرة الحقوقيين، ووصمة على جبين من يملك المعلومة ويخفيها.
الأسئلة معلّقة…والحقيقة لا تزال في غرفة الإنعاش.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك