أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
فجّر رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق، خوسيه ماريا أثنار، جدلاً سياسياً ودبلوماسياً واسعاً بعدما كشف في تصريحات حديثة أن جهة ما طلبت منه، خلال فترة ولايته، تسليم مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين إلى المغرب.
وأكد أثنار، في مقابلة صحافية، أن هذا الطلب قوبل برفض قاطع منه، باعتباره يتعارض مع ما أسماه "وحدة التراب الإسباني" و"السيادة الوطنية التي لا تُساوم".
هذه التصريحات، التي جاءت في سياق نقاش داخلي بإسبانيا حول مستقبل العلاقات مع المغرب، أعادت إلى الواجهة واحداً من أقدم الملفات الشائكة بين البلدين، والمتعلق بالسيادة على المدينتين الواقعتين شمال المغرب، واللتين ما زالتا تحت الاحتلال الإسباني منذ قرون.
المغرب يلتزم الصمت الرسمي
في مقابل التصريحات المثيرة لأثنار، لم يصدر عن السلطات المغربية أي رد رسمي حتى الآن، وهو ما يعكس، بحسب بعض المحللين، رغبة الرباط في عدم التصعيد العلني في المرحلة الراهنة، خاصة في ظل التقارب السياسي والاقتصادي الذي جرى بناؤه خلال السنوات الأخيرة بين المملكتين.
غير أن المتابعين يعتبرون أن الملف لم يُغلق أبدًا من جانب المغرب، الذي ما زال يعتبر سبتة ومليلية جزءاً لا يتجزأ من ترابه الوطني، ويراهن على الحلول السياسية والديبلوماسية لإعادة الملف إلى الطاولة الأممية أو الثنائية في الوقت المناسب.
خلفيات التصريح وتوقيته
تصريح أثنار لم يأتِ من فراغ، بل جاء في سياق حديث أوسع عن الضغوط التي تعرضت لها إسبانيا في أكثر من ملف خلال فترة حكمه (1996-2004)، ومنها العلاقات المتوترة آنذاك مع المغرب. وقد ألمح أثنار إلى أن بعض الأطراف الدولية كانت تضغط من أجل طيّ صفحة "الاستعمار الأوروبي القديم" في إفريقيا، ودفع إسبانيا إلى تسوية ملفاتها العالقة، وفي مقدمتها وضعية سبتة ومليلية.
ويطرح توقيت هذا التصريح تساؤلات حول ما إذا كان الهدف منه إحياء الجدل حول "إسبانية" المدينتين المحتلتين، في وقت ترتفع فيه أصوات بعض الأحزاب اليمينية داخل إسبانيا، داعية إلى تشديد إجراءات السيطرة على المدينتين، في مواجهة ما تعتبره "محاولات تمدد مغربية ناعمة".
حساسيات تاريخية وجغرافية
سبتة ومليلية، رغم صغر مساحتهما، تحظيان بمكانة استراتيجية خاصة في الجغرافيا والسياسة المتوسطية، باعتبارهما بوابتين على مضيق جبل طارق، وواجهتين مباشرتين مع المغرب. وتاريخيًا، يعتبر المغرب المدينتين ضمن أراضيه المحتلة، ويطالب باسترجاعهما، وهو ما لطالما اعتبرته مدريد "خطًا أحمر" لا يمكن التفاوض حوله.
وعلى الرغم من هذا الخلاف، ظل الجانبان يحرصان على الحفاظ على علاقات مستقرة أغلب الوقت، مع تسجيل بعض الأزمات الحادة بين الفينة والأخرى، كما حدث في أزمة جزيرة "ليلى" سنة 2002، أو أزمة الهجرة في 2021 عقب دخول آلاف المهاجرين المغاربة إلى سبتة، ما اعتبرته مدريد "ابتزازًا سياسيًا".
ردود فعل متباينة داخل إسبانيا
أثار تصريح أثنار تبايناً في المواقف داخل إسبانيا. ففي الوقت الذي أشادت فيه بعض الأطراف اليمينية برفضه "الضغوط الخارجية"، اعتبرت أصوات من اليسار أن هذا النوع من التصريحات يعيد إنتاج خطاب استعماري تجاوزه الزمن، وأن على إسبانيا أن تفكر جديًا في حلّ منصف وعادل لهذا الملف المزمن.
ويحذر بعض المحللين الإسبان من أن تجاهل المطالب المغربية قد يتحول إلى عبء سياسي ودبلوماسي طويل الأمد، لا سيما في ظل تغير موازين القوى الإقليمية والدولية، وصعود المغرب كقوة إقليمية فاعلة في شمال إفريقيا والمتوسط.
مستقبل سبتة ومليلية على طاولة التاريخ
لا يبدو أن تصريح أثنار سيكون مجرد حدث إعلامي عابر، بل إنه قد يفتح الباب أمام سلسلة من النقاشات داخل إسبانيا والمغرب على حد سواء حول مستقبل المدينتين، وحول إمكانية البحث عن حلول متدرجة تُرضي الطرفين وتحفظ التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
وفي ظل تسارع التحولات الإقليمية، يبقى السؤال مفتوحًا: هل اقتربت ساعة الحسم في ملف سبتة ومليلية، أم أن هذه "الأرض المعلقة" ستظل رهينة لعبة المصالح الكبرى؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك