أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
في تطور جديد لما بات يُعرف إعلاميًا بملف "إسكوبار الصحراء"، أسقطت جلسات محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، مساء الخميس 10 يوليوز 2025، مزيدًا من التفاصيل الصادمة، كشفتها شهادات حية عن تورط أسماء سياسية ورياضية بارزة في علاقات مشبوهة بشبكة دولية لتبييض الأموال وتهريب السيارات الفاخرة.
التحقيقات الجارية أمام غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال، وضعت على طاولة القضاء كلا من سعيد الناصري، الرئيس السابق لنادي الوداد البيضاوي ومجلس عمالة البيضاء، وعبد النبي بعيوي، الرئيس السابق لجهة الشرق، في ملف تتداخل فيه المصالح المالية، والتغطية السياسية، والتحايل القانوني.
من الاستثمار إلى الاشتباه:الوجه الخفي للحاج بن براهيم
أحد الشاهدين الرئيسيين الذين تم الاستماع إليهم في هذه الجلسة كشف معطيات مثيرة عن علاقته بـالحاج بن براهيم، المعروف بلقب "إسكوبار الصحراء"، قائلا إنه تعرف عليه سنة 2013 واشتغل لصالحه كمدير تنفيذي في إحدى شركاته.
الشاهد قال إن الحاج كان يُقدَّم له كمستثمر كبير، يمتلك شركتين من بينهما واحدة متخصصة في استيراد السيارات والشاحنات تحت اسم "El Fassi Brothers Al Kabida". غير أن الغريب، حسب قوله، هو طريقة تدبير الأموال، إذ كانت مبالغ ضخمة تُسلَّم له يدًا بيد، في حقائب أو صناديق كرتونية دون أي توثيق أو توضيح للمصدر.
بلغة مباشرة، قال الشاهد: "أول مبلغ سلمني إياه كان 100 مليون سنتيم، وضعه في حقيبة وطلب مني إيداعه في حسابه. لم أسأله عن مصدر المال، فليس من اختصاصي التشكيك في صاحب الشركة".
صناديق مملوءة بالملايير وشبهات مالية تتصاعد
من بين أبرز ما فجره الشاهد، واقعة حمله لصندوق كرتوني ضخم لصالح الحاج، اتضح لاحقًا أنه يحتوي على مليار سنتيم نقدًا. هذا المال نُقل إلى مكتب الحاج داخل مجمع "بارك بلازا" بالمحمدية، دون أي تصريح ضريبي أو بنكي رسمي، ما يُقوّي فرضية وجود نشاطات مشبوهة في غسيل الأموال أو التهرب المالي.
وتحدث الشاهد عن سلسلة من العمليات المالية الغامضة، منها استيراد نحو 61 سيارة من الصين، جرى تخزينها في مستودع بمنطقة عين السبع، قبل عرضها في معرض بالرباط، وهي السيارات نفسها التي ساعد بعيوي في إخراجها من الميناء، رغم أن بعضها لم يكن يتوفر على شهادة المطابقة القانونية بالمغرب.
علاقات قوية بين "إسكوبار الصحراء" وأسماء سياسية
الشهادة الأهم تمثلت في الحديث عن "علاقات صداقة وثيقة" جمعت بين الحاج بن براهيم وسعيد الناصري وعبد النبي بعيوي. وأكد الشاهد أن هذا القرب الشخصي تُرجم على الأرض بتسهيلات غير قانونية وخدمات خاصة خارج المساطر الإدارية.
في إحدى الوقائع، قال الشاهد إن بعيوي "دخل ميناء الدار البيضاء دون تصريح رسمي"، وهو ما اعتبره علامة على التدخل السياسي في عمل الموانئ والجمارك. كما كشف أن بعيوي اقتنى خمس شاحنات مستوردة تعود ملكيتها لشركة الحاج، رغم أنها غير مطابقة للقوانين المغربية.
من جانبه، ذكر الشاهد أن الناصري تدخّل لتمكين 11 شاحنة صينية أخرى، استوردها "المالي"، من الحصول على ترقيم W18، وهو نظام يُمنح عادةً للمركبات غير المطابقة للمعايير، لأغراض التنقل المؤقت، ما فتح الباب أمام شبهات الاستعمال غير القانوني.
المسطرة القضائية مستمرة..والحلقة تضيق
هيئة الحكم قررت تأجيل مواصلة الاستماع إلى الشهود إلى الخميس المقبل 17 يوليوز 2025، في انتظار استكمال باقي أطراف الملف، الذي يضم 25 متهمًا، بينهم 7 في حالة اعتقال و18 يتابعون في حالة سراح.
جدير بالذكر أن هذه القضية بدأت في 21 دجنبر 2023، عندما أحالت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مجموعة من الأشخاص على أنظار النيابة العامة، ليتقرر لاحقًا إيداع 21 شخصًا في سجن عكاشة رهن الاعتقال الاحتياطي، ضمنهم الناصري وبعيوي.
المال القذر يجر مسؤولين كبار إلى المحاكم
ملف "إسكوبار الصحراء" يبدو أنه أكبر من مجرد تجارة ممنوعة أو تهريب سيارات. هو بمثابة لغز مالي وسياسي معقد، تتداخل فيه المصالح العليا، والاستعمال غير المشروع للنفوذ السياسي، مع شبكة من العلاقات الممتدة إلى الموانئ والإدارات الحيوية.
وإذا ما أثبتت المحكمة هذه الاتهامات، فإننا أمام أكبر ملف فساد وغسيل أموال في تاريخ المغرب الحديث، قد يُعيد ترتيب المشهد السياسي والرياضي في البلاد.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك