أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
في أكتوبر 2023، أُعلن رسمياً عن اختيار الملف المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم نهائيات كأس العالم 2030، وهو حدث كروي عالمي ينتظره الملايين، ويشكل فرصة فريدة للدول المضيفة لتحقيق قفزات تنموية كبرى.
لكن هل فعلاً سيستفيد المغرب من هذا التتويج التاريخي؟ وهل يمكن أن يشكل هذا الحدث بوابة حقيقية لتطوير البنيات التحتية وتحسين التعليم وتنشيط الاقتصاد؟
أم أننا أمام فرصة أخرى قد تضيع كما ضاعت سابقاتها؟ في هذا التحقيق، نستعرض الأبعاد المختلفة للحدث والتحديات والفرص الكامنة وراء تنظيم هذا العرس العالمي.
البنيات التحتية: سباق مع الزمن
لا شك أن تنظيم كأس العالم سيفرض على المغرب الاستعداد اللوجستي والعملي غير المسبوق، وهو ما يعني توجيه استثمارات ضخمة نحو البنيات التحتية. الحديث هنا لا يقتصر على ملاعب جديدة أو إعادة تأهيل القديمة، بل يشمل شبكات الطرق، السكك الحديدية، المطارات، الفنادق، والاتصال الرقمي.
المغرب، الذي راكم تجربة مهمة في احتضان التظاهرات الكبرى (كأس العالم للأندية، وألعاب القوى، والزيارات الملكية رفيعة المستوى)، سيجد نفسه مطالباً بتوسيع وتحديث بنياته الحالية في زمن قياسي. ويبدو أن الحكومة بدأت فعلاً في برمجة مشاريع ضخمة، منها توسيع شبكة الطرق السيارة، وتعزيز الربط بين المدن السياحية الكبرى.
لكن التحدي الأكبر يبقى في التوفيق بين هذه المشاريع الضخمة ومشاريع البنية الأساسية للمواطنين في المناطق الهشة، حتى لا يتحول التركيز فقط على المدن التي ستستضيف المباريات، وتُترك المناطق الأخرى في الهامش.
الاقتصاد والسياحة: فرصة لإنعاش شامل
كأس العالم ليس فقط حدثاً رياضياً، بل هو فرصة اقتصادية من الطراز الرفيع. فبحسب تجارب الدول السابقة، ترتفع عائدات السياحة بشكل لافت، ويُقبل المستثمرون الأجانب على ضخ أموالهم في مشاريع فندقية، ترفيهية وخدماتية.
بالنسبة للمغرب، الذي يعوّل على السياحة كرافعة اقتصادية، فإن الحدث يُعد فرصة نادرة لتعزيز موقعه كوجهة عالمية، خاصة مع ما يملكه من تنوع طبيعي، حضاري وثقافي. كما قد تخلق التظاهرة عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، سواء في البناء، أو الخدمات، أو الأمن، أو النقل.
لكن بالمقابل، تُحذر بعض الدراسات من ظاهرة "الفقاعة الاقتصادية"، أي الانتعاش المؤقت المرتبط بالحدث فقط، ثم العودة إلى وضع الركود بعده. لذا، يبقى من الضروري أن تضع الحكومة خطة ما بعد كأس العالم، حتى تتحول الاستثمارات إلى مكاسب دائمة.
التعليم والتكوين المهني: هل من نصيب؟
من التحديات الكبرى التي يواجهها المغرب، ضعف المنظومة التعليمية والتكوينية، وهو ما يعيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي.
ورغم أن العلاقة بين التعليم وكأس العالم ليست مباشرة، إلا أن هناك فرصة لتوجيه جزء من الاستثمارات نحو التكوين المهني في مجالات مرتبطة بالرياضة، السياحة، الإعلام، الأمن، والخدمات.
إدماج الشباب المغربي في مشاريع كأس العالم من خلال برامج تكوين وتمكين، يمكن أن يحوّل هذا الحدث إلى رافعة تعليمية حقيقية، بدل أن يظل مناسبة عابرة تُنفَق فيها الملايير على الحجارة دون الاستثمار في الإنسان.
العدالة المجالية والتنمية المستدامة
الحدث يجب ألا يكون مناسبة لتلميع المدن الكبرى فقط، بل محطة للعدالة المجالية. من الضروري أن يمتد أثر التنظيم إلى المدن الصغرى والمناطق القروية عبر تحسين الطرق، وتوفير البنيات الرياضية، وربط هذه المناطق بالاقتصاد الوطني.
كما أن شعار "الاستدامة" الذي ترفعه الفيفا يمكن أن يكون حافزاً لتشجيع البنيات الخضراء، والطاقة النظيفة، والنقل المستدام، مما يضع المغرب على السكة البيئية الحديثة.
المخاوف من تكرار سيناريوهات الفشل
رغم الطموحات الكبرى، هناك تخوفات مشروعة من تكرار سيناريوهات بلدان نظمت كأس العالم أو الأولمبياد ولم تستفد منها إلا شكلياً، بل غرقت في الديون والمشاريع غير المنتجة.
الرهان الحقيقي اليوم، هو في حسن التسيير، وتفادي الفساد، وربط المسؤولية بالمحاسبة، حتى لا يتحول المشروع إلى "كعكة" يتقاسمها المقاولون الكبار على حساب الشعب المغربي.
فرصة تاريخية مشروطة
كأس العالم 2030 فرصة ذهبية للمغرب كي يثبت للعالم أنه دولة صاعدة قادرة على احتضان أكبر التظاهرات، لكن أيضاً فرصة داخلية لإعادة ترتيب الأولويات وتوجيه الاستثمارات نحو الإنسان قبل كل شيء.
النجاح لا يُقاس فقط بعدد الأهداف المسجلة في الملاعب، بل بعدد المواطنين الذين سيحسّون بتحسن في حياتهم اليومية.
الكرة الآن ليست فقط في الملعب، بل في يد الدولة والمجتمع معاً، فهل نُحرز هدفاً في مرمى التخلف؟ أم نُهدر فرصة أخرى كما فعلنا مراراً؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك