حين يصبح "تغيير السياسة" لعبة تصريحات..كاتب دولة يشعل الجدل بتصريحات "تمجيدية" لأخنوش تثير الاستغراب

حين يصبح "تغيير السياسة" لعبة تصريحات..كاتب دولة يشعل الجدل بتصريحات "تمجيدية" لأخنوش تثير الاستغراب
ديكريبتاج / الخميس 08 مايو 2025 - 19:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب

في تصريح أثار الكثير من الجدل والتساؤلات، أعلن أحد كتاب الدولة المنتمين لحزب التجمع الوطني للأحرار، خلال تجمع سياسي، أن "من غير السياسة في المغرب هو السيد عزيز أخنوش"، مؤكداً الأمر بصيغة التحدي: "نعم، السيد عزيز أخنوش هو الذي غير السياسة في المغرب، أحب من أحب وكره من كره".

هذا التصريح، الذي قد يبدو في الظاهر مجرد دفاع سياسي عادي عن زعيم حزبي ورئيس حكومة، سرعان ما أخذ منحى مختلفاً بسبب سياقه ونبرته، خاصة أن قائله ليس مجرد برلماني عابر، بل عضو في الحكومة، يشارك في تسيير الشأن العام.

تهليل وتصفيق رسمي في غير محله؟

المثير أكثر من مضمون التصريح، هو ردة الفعل التي صاحبت الإعلان: تصفيق حار من رئيس الحكومة عزيز أخنوش نفسه، وتصفيقات متتالية من الوزراء الحاضرين، بل وحتى من قيادات الحزب.

وهو ما دفع العديد من المتتبعين والمحللين إلى التساؤل: هل نحن أمام ولادة "خطاب تمجيدي جديد" في المشهد السياسي المغربي؟ وهل تحوّلت المؤسسات إلى فضاء لترويج "بطولات" حزبية ذات طابع شخصي بدل مناقشة السياسات العمومية والبرامج التنموية؟

عندما يصير التغيير حقا حصريا لرأس الدولة

الكاتب العام الذي فجّر هذا التصريح، أغفل -أو تجاهل- أن رئيس الحكومة نفسه صرّح في أكثر من مناسبة أنه لم يُخلق للسياسة، بل دخلها "من باب المهمة" فقط. فكيف يستقيم إذن أن يتحوّل شخص يُصرّ على أنه ليس سياسيا محترفاً إلى "مغير" لجوهر السياسة في بلد له تقاليد سياسية تمتد لعقود، بل لقرون؟

ومن المفارقات الغريبة، أن التاريخ السياسي للمغرب، لم يعرف أي زعيم حزبي -مهما علا شأنه- ادعى أنه غيّر السياسة برمتها، لا المهدي بنبركة، ولا عبد الرحيم بوعبيد، ولا عبد الرحمن اليوسفي.

فحتى الملك محمد الخامس، حين عاد من منفاه، لم يعلن أنه غيّر السياسة، بل قال ببساطة وعمق: "خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر".

فهل بات بعض مسؤولي اليوم يوزعون "شهادات التغيير" على هواهم، ناسفين بذلك رمزية الدولة وموقع رئيسها؟

الملكية وصلاحيات التغيير الاستراتيجي

في السياق الدستوري والسياسي المغربي، فإن التغييرات الاستراتيجية الكبرى هي اختصاص محفوظ لرأس الدولة، أي للملك محمد السادس.

فالدستور المغربي يقر بشكل واضح بأن الملك هو الضامن لاستمرارية الدولة واستقرار مؤسساتها، وصاحب المبادرات الكبرى في التنمية، الحماية الاجتماعية، الإصلاح الإداري والتنموي.

لذا، فإن إسناد "تغيير السياسة" لأي فاعل حزبي –حتى وإن كان على رأس الحكومة– هو اختزال غير دقيق، وربما مسيء، لدور المؤسسة الملكية ومكانتها في النظام السياسي المغربي.

مجالس وزارية محصنة..وغائبون عنها!

ولعل من الطريف –والمؤلم في الآن ذاته– أن "صاحب التصريح" لا يحضر المجالس الوزارية التي يرأسها الملك محمد السادس.

وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن البعض بدأ يرى في سلطة الاقتراح التي تمنحها له الحكومة، أنها أرفع من سلطة التعيين التي يحتكرها الملك دستوريا.

إنها مفارقة تكشف الخلل في الوعي السياسي لدى البعض ممن يديرون الشأن العام. فكيف لفاعل سياسي أن يغيب عن مجالس استراتيجية يرأسها جلالة الملك، ثم يتحدث عن تغيير السياسة الوطنية بمثل هذه الخفة والادعاء؟

بين التمجيد الشخصي ووعي الدولة

إن هذا النوع من الخطاب، الذي يقوم على تمجيد الزعامات الحزبية لأغراض آنية، لا يخدم لا الديمقراطية، ولا صورة المؤسسات، ولا ثقة المواطن في الفاعلين السياسيين. بل يعيدنا خطوات إلى الوراء في زمن المغربة السياسية الجديدة التي أكدها خطاب العرش، والتي تشدد على الكفاءة وربط المسؤولية بالمحاسبة، لا على التصفيق والولاء الحزبي الأعمى.

والأدهى، أن بعض هذه "النماذج"، كما وصفها محمد أوزين ذات مرة، يبدو أنها بحاجة إلى دروس إضافية في فهم الفرق بين الدولة والحزب، بين المسؤولية والتصريح، وبين الزعامة الإعلامية والقيادة المؤسساتية.

في الختام، إذا كان التحدي الحقيقي اليوم هو تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمغاربة، فإن المطلوب من كتاب الدولة والوزراء هو العمل الجاد والهادئ، لا إطلاق العبارات المدوية التي لا تنفع المواطن بشيء، سوى أنها تثير ضجة إعلامية ليوم أو يومين، قبل أن تنطفئ مثل زوبعة في فنجان.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك