أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في وقتٍ يتصاعد فيه الإيقاع السياسي استعدادًا لمحطة 2026 التشريعية الحاسمة، كشفت نتائج الجولة العاشرة من استطلاع أفروباروميتر، التي نُشرت مؤخرا، و أُجريت في فبراير 2024 بالمغرب، عن مؤشرات صادمة بشأن تآكل الثقة في الفاعلين السياسيين والمؤسسات المنتخبة،وعلى رأسهم رئيس الحكومة، البرلمان والمجالس الجماعية.
الدراسة/استطلاع الرأي، شملت عينة تمثيلية مكونة من 1200 مغربي ومغربية من مختلف جهات المملكة، وأظهرت تفاوتات حادة في المواقف، تتراوح بين الرفض التام، والدعم الحذر، والحياد المتردد.
رئيس الحكومة تحت نيران الشكوك:أداء محل انتقاد وثقة تتآكل
أرقام مثيرة للقلق حملها الاستطلاع بخصوص موقع رئيس الحكومة عزيز أخنوش في وجدان المغاربة؛ إذ عبّر 37.9% من المشاركين عن انعدام ثقتهم التامة فيه، بينما قال 27.7% إنهم يثقون به "قليلاً".
فقط 10.2% منحوه ثقتهم "الكبيرة"، مقابل 21.4% عبروا عن ثقة "نسبية". الفئة المترددة أو غير المعنية بلغت 2%، بينما اختار 0.7% الامتناع عن الرد.
أما على مستوى الأداء، فالنتائج كانت أكثر قسوة: 32.2% لا يوافقون إطلاقًا على أدائه، و29.7% غير راضين عنه، مقابل 26.8% ممن قالوا إنهم يوافقونه الرأي، و3.3% فقط عبروا عن موافقة تامة.
اللافت أن 4.7% لم يحسموا موقفهم، و3.4% امتنعوا عن الجواب، ما يفتح الباب لتأويلات متعددة بشأن مستوى التفاعل مع السياسات الحكومية.
البرلمان يفقد البوصلة الشعبية:انقسام عام وثقة متآكلة
لم يكن وضع المؤسسة التشريعية أفضل حالاً؛ فقد صرح 32.6% من المستجوبين أنهم لا يثقون إطلاقًا في البرلمان، و27% يثقون به "قليلاً"، في مقابل 27.1% عبروا عن ثقة "نسبية"، و9.5% فقط قالوا إنهم يثقون "كثيرًا" بممثلي الأمة.
عند تقييم الأداء، بدا البرلمان في موقع دفاع صعب؛ إذ قال 33.9% إنهم غير راضين عن أداء النواب، و20.1% رفضوا أداءهم بشكل قاطع، بينما أبدى 26.5% موافقة مشروطة، و2.8% فقط أعطوا أداء النواب تقييماً إيجابيًا مطلقًا.
النسبة اللافتة كانت في خانة "لا أعلم" والتي بلغت 13.9%، ما يشي بعدم وضوح الدور البرلماني لدى شريحة واسعة من المواطنين.
المجالس الجماعية..الثقة تتآكل محليًا أيضًا
المجالس الجماعية، المعنية مباشرة بتدبير الشأن المحلي اليومي، لم تنجُ هي الأخرى من تيار فقدان الثقة. فقد عبر 29.2% من المشاركين عن انعدام ثقتهم بها، و33.3% عن ثقة محدودة، مقابل 26% عبّروا عن ثقة نسبية، و7.6% فقط قالوا إنهم يثقون "كثيرًا" في هذه المجالس. الفئة المترددة أو الممتنعة بلغت 3.9%.
من حيث الأداء، جاءت الأرقام شبيهة: 33.9% غير راضين، و18.6% يرفضون أداء المجالس تمامًا، مقابل 28.3% وافقوا نسبيًا على أدائها، و3.1% عبروا عن رضا تام. النسبة المترددة هنا أيضًا لم تكن ضئيلة، إذ بلغت 13.9%، ما قد يعكس فجوة في التواصل أو الوعي بمهام المنتخبين المحليين.
أزمة تمثيلية ومعضلة التأطير
الرسالة الأبرز من هذه النتائج أن نسبة الرضا السياسي عن مؤسسات الدولة لا تتجاوز في أحسن الأحوال ثلث المواطنين، بينما تتجه الأغلبية إما إلى الرفض أو التعبير عن ثقة محدودة.
الأخطر من ذلك هو النسبة غير القليلة من المواطنين الذين قالوا "لا أعلم" أو امتنعوا عن الإجابة، ما يعكس فجوة سياسية ومعرفية عميقة في علاقة المواطن المغربي مع مؤسساته المنتخبة.
بين فقدان الثقة وتحديات 2026
تأتي هذه المؤشرات في لحظة مفصلية من المشهد السياسي المغربي، حيث تتصاعد الاستعدادات لانتخابات 2026، في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية مركّبة، ونقاشات محتدمة حول أداء الحكومة، تماسك الأغلبية، وضعف المعارضة.
الأرقام المسجلة في هذا الاستطلاع تضع الفاعلين السياسيين أمام تحدٍ مصيري: هل سينجحون في استعادة ثقة الشارع المغربي؟ أم أن العزوف وفقدان الثقة سيقودان البلاد نحو أزمة تمثيلية أعمق؟
ختاما، فالأسابيع والشهور القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا للنخبة السياسية، ولقدرتها على تجديد خطابها، إعادة بناء جسور التواصل، وتقديم حلول ملموسة بدل الوعود المؤجلة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك