أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس
في خطوة غير مسبوقة، أثارت النائبة البرلمانية فاطمة التامني عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية المغربية، بتقديمها مقترحًا لتعديل القانون التنظيمي رقم 65-13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة.
المقترح يسعى لمعالجة قضية الجمع بين المناصب السياسية الكبرى، خاصة الجمع بين رئاسة الحكومة ورئاسة جماعات محلية يتجاوز عدد سكانها 300,000 نسمة.
هذا التعديل التشريعي، الذي يأتي في سياق متوتر سياسيًا واجتماعيًا، يعتبره البعض استهدافًا مباشرًا لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، الذي يجمع بين رئاسة الحكومة ورئاسة جماعة أكادير، وهي مدينة يزيد عدد سكانها عن نصف مليون نسمة.
المقترح كذلك، يسلط الضوء على ما اعتبره عدد من المراقبين "تضاربًا واضحًا للمصالح"، حيث تتطلب كل من رئاسة الحكومة ورئاسة الجماعات الحضرية الكبرى تفرغًا كاملًا، نظرًا للمهام الجسيمة الملقاة على عاتق المسؤولين في هذين الموقعين.
أهداف المقترح:هل هو تعدي على الدستور أم إصلاح ضروري؟
النائبة فاطمة التامني أكدت خلال عرضها للمقترح أن الجمع بين هذه المناصب يعرقل تحقيق التنمية المحلية ويؤثر على سير العمل الحكومي، معتبرة أن المواطن المغربي هو الخاسر الأكبر في ظل هذا الوضع. وأوضحت أن تداخل المهام والمسؤوليات يؤدي إلى إضعاف فعالية العمل السياسي والتنموي، خاصة مع وجود ملفات حساسة تحتاج إلى تركيز كامل من رئيس الحكومة.
وأضافت التامني أن هذا التعديل ليس استهدافًا شخصيًا لأحد، بل هو خطوة في اتجاه إصلاح العمل السياسي بالمغرب، وتعزيز مبدأ فصل السلطات وتكريس مبدأ الحكامة الجيدة. وشددت على أن إدارة المدن الكبرى مثل أكادير تحتاج إلى رئيس متفرغ يتابع ملفات البنية التحتية، والخدمات العامة، والاستثمارات المحلية بشكل يومي.
ردود الفعل:انقسام داخل البرلمان
مقترح التعديل قوبل بردود فعل متباينة داخل البرلمان. ففي الوقت الذي اعتبرت فيه المعارضة التعديل خطوة شجاعة نحو تحسين المشهد السياسي، رأت الأغلبية البرلمانية فيه محاولة لإثارة الفوضى داخل الحكومة. نواب من حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يتزعمه أخنوش، أشاروا إلى أن المقترح يتجاوز حدود المعقول، مؤكدين أن الجمع بين المناصب لا يشكل أي إشكال دستوري.
في المقابل، دعا نواب من المعارضة إلى نقاش موسع حول المسألة، معتبرين أن تمرير هذا المقترح سيكون بمثابة سابقة تشريعية قد تُحدث تغييرًا جذريًا في طريقة اشتغال الحكومة والجماعات المحلية.
الواقع القانوني:فراغ يستدعي التدخل
القانون التنظيمي الحالي لا يمنع بشكل صريح الجمع بين رئاسة الحكومة ورئاسة الجماعات الكبرى، وهو ما جعل المقترح يثير نقاشًا حول ضرورة مراجعة الأطر القانونية التي تحكم المناصب العليا. وبحسب خبراء في القانون الدستوري، فإن الفصل 103 من الدستور يتيح لرئيس الحكومة تفويض بعض مهامه، لكنه لا يعالج بشكل دقيق مسألة الجمع بين المناصب في حال كانت تتطلب تفرغًا كاملًا.
تأثير المقترح على أخنوش
تمر حكومة أخنوش بمرحلة حرجة، حيث تواجه انتقادات متزايدة بسبب ملفات اجتماعية واقتصادية ملتهبة. وإذا تم تمرير هذا المقترح، فإنه قد يشكل ضغطًا إضافيًا على رئيس الحكومة، خاصة في ظل مطالب متزايدة بفصل واضح بين السلطات وتعزيز الشفافية في العمل الحكومي.
بعض المحللين السياسيين اعتبروا أن هذا التعديل قد يضعف موقف أخنوش ويمنحه خيارًا صعبًا: إما التفرغ للحكومة وترك رئاسة جماعة أكادير، أو العكس، وهو ما قد يُظهر الحكومة بموقف ضعف أمام الشارع المغربي.
الآفاق المستقبلية
من المتوقع أن يستمر النقاش حول هذا المقترح في البرلمان خلال الأسابيع المقبلة. وإذا تمكنت المعارضة من حشد دعم كافٍ داخل المجلس التشريعي، فإن هذا التعديل قد يتحول إلى أزمة سياسية حقيقية داخل الحكومة الحالية.
يبقى السؤال المطروح: هل ستنجح المعارضة في فرض رؤيتها وإقرار هذا التعديل، أم أن الأغلبية ستتمكن من وأده قبل أن يصل إلى مرحلة التصويت؟ الإجابة ستحدد مستقبل الجمع بين المناصب بالمغرب، وربما تفتح الباب أمام إصلاحات أوسع على المستوى السياسي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك