خلفيات التوتر بين بنكيران وأسرة ناصر الزفزافي

خلفيات التوتر بين بنكيران وأسرة ناصر الزفزافي
أقلام حرة / الخميس 18 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم:محمد الموساوي

يوم الاثنين 5 يونيو 2017، بعد العصر بقليل، وصلت إلى منزل عبد الإله بنكيران بحي الليمون سيارة تقل والدي ناصر الزفزافي، ومعهما المحامي محمد زيان. الزيارة التي جرى الترتيب لها لمدة أسبوع، بمجهود من المحامي زيان، وبرلمانيي العدالة والتنمية نبيل الأندلسي وسعاد الشيخي، اللذين كان يتواصل معهما حامي الدين أولا بأول، وبتوجيه من بنكيران.

كان من المفترض أن تشكل هذه الزيارة بداية لسلسلة زيارات أخرى متواصلة، غير أن ما جرى لاحقًا جعلها الزيارة الأولى والأخيرة. ومن غرائب المصادفات أن والدة ناصر الزفزافي بدت، كما لو أنها حدست منذ اللحظة الأولى مآل هذا اللقاء. ففي مستهله، تملكها غضب شديد مما قاله بنكيران، وغادرت منزله وهي ساخطة، رغم محاولات زوجها الراحل أحمد الزفزافي تهدئتها والحفاظ على قدر من الدبلوماسية. غير أن حدس الأمومة كان أقوى، فرفضت البقاء لتناول وجبة الإفطار، وغادرت المنزل غاضبة قبل نحو نصف ساعة من موعد أذان المغرب. فكيف جرى ذلك؟ ولماذا؟

كان ذلك اليوم يوم صيام وحر شديد. دخل الضيوف إلى منزل بنكيران، فاستقبلهم بقفشاته المعهودة، وبعد تبادل السؤال عن الصحة وأحوال رمضان، حاول أن يقترب تدريجيا من صلب الموضوع. قال إن ساكنة الريف ما كان عليها أن تخرج إلى الشارع بتلك الطريقة، لأن المنطقة تحظى باهتمام خاص من الملك محمد السادس. نعم، هناك اختلالات، بحسب قوله، لكنها لا تستدعي احتجاجًا بتلك القوة وتلك الكيفية، لأنها أحرجت الدولة وأظهرت الأمر كما لو أنه ليس احتجاجًا، بل إصرارًا على إحراجها.

تدخل حينها الراحل أحمد الزفزافي، محاولًا شرح أن الوضع ليس كما قُدّم، بل إن المنطقة تعيش ركودًا اقتصاديًا خانقًا، وأن الشباب الذين خرجوا لقيادة الحراك لم يفعلوا ذلك إلا بعدما شعروا أن السكين بلغ العظم. ثم أضاف، في ما يشبه عتابًا موجها لبنكيران: “لا أدري كيف يحدث لأناس مثلكم، يكونون في البداية مناضلين، لكن بمجرد ما يصلون إلى كراسي السلطة ينقلبون على أنفسهم”. قاطعه بنكيران قائلا: “أنا لست ابن السلطة ولا ابن الكرسي، كنت مناضلا وما زلت كذلك، لكن من موقعي الحالي”. فرد عليه والد ناصر بنبرة ساخرة: “أنا لا أعرف إلا مناضلا واحدا دخل السجن مناضلا، ووصل إلى الحكم مناضلا، ومات مناضلا، هو نيلسون مانديلا. أما غيره، فأغوتهم حلاوة السلطة ونسوا ما كانوا يقولونه”.

وبعد مرور جولة من القفشات والكلام المجامل، ومع اقتراب موعد الإفطار في ذلك اليوم الرمضاني الحار، عاد بنكيران للحديث عن حراك الريف، وقال لوالدي ناصر: “لنكن صرحاء، أبناؤكم متهورون ولم يقدّروا العواقب، وليس بمثل هذا الاحتجاج يمكن الدفاع عن المطالب”.

هنا ثارت والدة ناصر الزفزافي، خاتشي زليخة، وواجهت بنكيران بحزم، قائلة: “أبناؤنا تاج على رؤوسنا، وهم أشرف منكم وأحرص منكم جميعا على وطنهم. لم نأت إليك لنسمع سبًا أو قذفا في حق أبنائنا المعتقلين ظلمًا”.

أصيب بنكيران بالتلعثم أمام هذا الرد القاطع، وبدأ يتمتم، فيما تدخل أحمد الزفزافي لتهدئة زوجته، داعيًا إياها إلى الصبر وعدم الانجرار إلى الاستفزاز، بينما كانت والدة ناصر واقفة، تواجه بنكيران بما اعتبرته إساءة.

حاول بنكيران تهدئة الأجواء، وقال لها: “شوفي اخالتي، أنا جيت لول فالانتخابات، وجرى عليّ الملك وما بغانيش نكون رئيس الحكومة، واش غنوض ندير الصداع؟”، ثم حاول التوضيح بأنه لا يقصد ابنها ناصر بالذات، وإنما يتحدث عن الحراك بصفة عامة وبعض التصرفات المنسوبة إلى أشخاص محسوبين عليه. غير أن والدة ناصر رفضت هذا التبرير، وقالت بحزم: “أنا لا أدافع عن ابني فقط، بل أدافع عن جميع أبنائي المعتقلين ظلمًا”، وأصرت على مغادرة منزله، معتبرة أنه لا يمكنها المكوث في بيت من يهاجم أبناء الحراك المعتقلين.

وبعد أخذ ورد، قرر الوالدان مغادرة منزل بنكيران، رغم إلحاحه عليهما بالبقاء لتناول إفطار رمضان. ولم يكن يفصل عن أذان المغرب سوى أقل من نصف ساعة، فتوجها لتناول إفطارهما في أحد مقاهي الرباط. وقبل مغادرتهما، طلب بنكيران من أحمد الزفزافي أن يرافقه بعد صلاة العشاء إلى ضريح محمد الخامس، حيث كان يصادف ذلك اليوم، العاشر من رمضان، إقامة حفل ديني بمناسبة ذكرى وفاة الملك محمد الخامس، بحضور الملك وكبار الشخصيات. عند عتبة الباب، نظر إليه أحمد الزفزافي نظرة ذات دلالة، وقال: “الله يعاونك السي بنكيران”، دون أن يجيب صراحة عن طلبه.

في اليومين المواليين، تحدثت وسائل إعلام مقربة من بنكيران عن هذه الزيارة برواية أحادية، ركزت على علاقة التعارف التي تجمعه بأحمد الزفزافي منذ سنوات، وعلى الأجواء الإيجابية التي قيل إنها طبعت اللقاء.

غير أنه بعد أسبوع، تسرب خبر مواجهة والدة ناصر لبنكيران، وظهرت معطيات تفيد بأن اللقاء لم يمر كما تم تقديمه في البداية. ونشرت جريدتان إلكترونيتان معروفتان جزءًا من هذه الرواية.

عندما اطلع بنكيران على ما نُشر، غضب وحاول احتواء الأمر، فاتصل بمديري نشر الجريدتين، وطلب منهما تكذيب الخبر، مؤكدا أن اللقاء كان وديا. أحد المديرين طلب منه تكذيبا مكتوبا وموقعا، غير أن بنكيران رفض، مبررا ذلك بعدم رغبته في تضخيم الموضوع، مكتفيا بالتأكيد الشفهي على روايته. غير أن الصحافي رفض نشر أي تكذيب دون وثيقة مكتوبة.

مدير الموقع الأول، وقد فاجأه اتصال بنكيران، حاول البحث عن مخرج، فاتصل بأحمد الزفزافي مستفسرا عن حقيقة ما جرى. أجابه الأخير بدبلوماسية قائلا: “ما أستطيع قوله هو أنني لا أنفي ولا أؤكد هذه الواقعة”. وجد الصحافي نفسه في حيرة، وفي النهاية نشر ما قاله له بنكيران، دون الإشارة إلى جواب والد ناصر.

حاشية 1:

لكل هذه الأسباب، يرى كاتب هذه السطور أن بنكيران يحمل شعورا بالفراغ والضيق تجاه ناصر الزفزافي وأسرته، لأنه رأى فيهم ما يفتقده، من شموخ وإباء وتمسك بما يعتبرونه وطنية صادقة، في حين ظل هو، في نظر الكاتب، أسير وهم دور يعتقد أنه كان حاسما في مسار البلاد.

حاشية 2:

عندما نشرتُ معطيات هذه التدوينة آنذاك، وصلت إلى بنكيران فغضب، وأوعز إلى بعض مقربيه بالتحري عن كاتبها. وتواصل بعضهم مع أصدقاء مشتركين، معتبرين أن ما كتبه محمد الموساوي، رغم احتوائه على بعض الحقيقة، يتضمن زيادات، وأن نشره يخدم أطرافا معينة. وصلتني الرسالة، ومضى كل واحد في طريقه.



لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك