 
								
								
								
								بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
خَلف الخط
الأصفر أسرارٌ ومخططاتٌ
شيءٌ ما غريبٌ
مريبٌ مشبوهٌ وغير عادي يجري على الأرض هناك في المنطقة التي تقع خلف الخط الأصفر
على امتداد الجانب الشرقي لقطاع غزة، التي تشكل نسبة 53% من مساحته، حيث يتواجد
وفق خطة ترامب للسلام في مرحلتها الأولى، جيش العدو الإسرائيلي وينشط، إلى جانب
مجموعات العملاء التي تنسق معه عملياتها في المنطقة وخارجها. 
حصر العدو
قواته في هذه المنطقة، وحشد فيها دباباته وآلياته العسكرية وجرافاته الضخمة، التي
تعمل كافة فرقها العسكرية البرية، وخاصةً الفرق الهندسة وقطاع المتفجرات، وفرق
النخبة والوحدات المختصة، ليل نهار في المنطقة وفق خطط معدة مسبقاً، وخرائط مفصلة
توضح مناطق العمل، ومربعات التدمير والتفجير، والمباني والمنشآت المستهدفة بالنسف
والإزالة. 
ينفذ جيش
العدو عملية تدمير شامل لكل ما هو فوق الأرض وتحت الأرض، ويعيد تسوية المباني
بالتراب، وينهي كل مظاهر البناء والعمارة أياً كانت، صغيرة أو كبيرة، سكنية أو
خدمية، وينفذ مخططاته بموجب خرائط معدة ومدروسة، وعمليات مسح جوي وتصوير تقوم بها
الطائرات المسيرة، التي تنقل عمليات التدمير، وتصور المباني الأخرى المرشحة للنسف
والتدمير، ولعل صور الأقمار الاصطناعية تظهر حجم التغيير اليومي على سطع الأرض.
ما الذي يريده
العدو الإسرائيلي والإدارة الأمريكية من منطقة ما قبل الخط الأصفر، وماذا يخططون
لها ولماذا يدمرون كل شيء، ولماذا كل هذه التجهيزات والآليات والمعدات، لماذا
يدمرون المدمر، ويخربون المخرب، وينسفون ما قد نسفوا من قبل، أفلم يكتفوا بما
دمروه على مدى عامين كاملين، إذ لم يبق مكان لم تطاله غاراتهم الجوية وقصفهم
المدفعي، لكن الأمر يتعدى التدمير الشكلي، ويتجاوزه إلى المخططات والنوايا،
والتصورات والأحلام، بما يؤكد أن وراء هذه المخططات مشروعٌ ما، وتصور لمستقبلٍ آخر
لقطاع غزة وسكانه.
لكن هل أن
الإدارة الأمريكية منخرطة في هذه المخططات وشريكة فيها، وتتم بعملها وموافقتها،
وبما يتناسب مع الخطط التي أعدتها، والتصورات التي تنوي تنفيذها، وتأتي ضمن أحلام
ترامب التي تحدث عنها سابقاً، وتنسجم معها وتتوافق، وتتكامل معها وتتساوق. 
أم هي عمليات
إسرائيلية محضة في سباقٍ محمومٍ مع الزمن لتدمير كل ما تبقى في المنطقة من مبانٍ
وأنفاق وبنى تحتية، وخاصة أنفاق المقاومة الاستراتيجية ومقراتها القيادية، لئلا
تكون قادرة بعد تمام الانسحاب من المنطقة، على إعادة تأهيل أنفاقها، وتجهيز
مقراتها، وترميم قوتها، وتعويض ترسانتها من مختلف الأسلحة.
من الواضح
جداً أن ما يجري إنما هو بالتنسيق بين الطرفين، وأن الإدارة الأمريكية تنوي مع
حكومة الكيان الإسرائيلي، تأكيد تقسيم قطاع غزة إلى مناطق ثلاث، الأولى غرب القطاع
ويقيم فيها أكثر من 95% من سكان قطاع غزة، وتمثل نسبة 47% من مساحة القطاع، وأخرى
تمثل الشريط الفاصل، وهو بعمق يتراوح بين 500-1000 متر على امتداد الحدود الشرقية
والشمالية لقطاع غزة، ولن يسمح فيها بأي وجود فلسطيني، وتكون بمثابة منطقة عازلة،
والقسم الثالث وهو الأهم، الذي يقع قبل الخط الأصفر، ويمثل ما نسبته 53% من مساحة
القطاع، ويقيم فيه بضعة آلاف من المواطنين الفلسطينيين، إلى جانب العصابات المسلكة
التي أنشأها الكيان ويشرف عليها.
تتطلع الإدارة
الأمريكية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة إعمار المنطقة الثالثة، وفق
شروط ومواصفات خاصة، تكون مؤهلة لإقامة مئات آلاف المواطنين الفلسطينيين، بعد شق
الطرق فيها وتعبيدها، وبناء شبكة خدمات مدنية وبنى تحتية ومجاري صحية، ومستشفيات
ومدارس وأسواق، وربطها بشبكة الكهرباء الإسرائيلية وربما المصرية، على أن ينتقل
إليها من القسم الأول من شاء من المواطنين الفلسطينيين، الذين سيجدون أنه قد سبقهم
إليها أنظمة محكمة وقوانين خاصة، وأجهزة أمنية وشرطية ومؤسسات إدارة مدنية مدربة
ومؤهلة، يشرف عليها مجلس السلام، الذي ينوي ترامب ترأسه، الذي سيقوم بتمويل
مشاريعها وتنفيذ خططها، والإشراف على إدارة شؤونها وخدمة سكانها، وستكون هذه
المنطقة منزوعة السلاح، وخالية من كل مظاهر العنف ووسائل القوة.
أما المنطقة
الأولى التي تقع خلف الخط الأصفر، فستبقى محرومة من كل شيء، فلا خدمات ولا مساعدات
ولا مشاريع، وسيترك فيها الفلسطينيون لقدرهم ومصيرهم، فإما أن يقبلوا بالهجرة
واللجوء الذي سييسر لهم، وسترحب دولٌ عدة باستقبالهم، وستفتح أبوابها لهم، أو أن
ينتقلوا إلى القسم الآخر، ويخضعوا لشروطه، وينزلوا عند أحكامه، وبذا تكون غزة
الجديدة قد تشكلت وفق تصوراتهم، ونشأت تحت عيونهم وبرعايتهم، بما لا يجعلها منطقة
خطرة، وبما يؤكد عدم جنوح سكانها إلى أي شكلٍ من أشكال المقاومة.
هذا المشروع
وهذه المخططات ليست الأولى التي يعلن العدو الإسرائيلي والإدارة الأمريكية
الراعية، والتي يجري العمل بها والترويج لها، بدءً من الميناء الأمريكي العائم،
الذي أنشئ لتسهيل الهجرة، وصولاً إلى أحلام الطرد والتهجير، فضلاً عن الانتصار
المطلق، والتفكيك الكامل، والاستسلام ونزع السلاح، وقتل القادة وترحيل المقاتلين،
فكما فشلت كل المشاريع السابقة، وأجهضت تلك التي لم يعلن عنها، فإن هذا المشروع
سيسقط وسيفشل، وسيجد العدو وحلفاؤه، أنفسهم مضطرين ومجبرين، ومكرهين رغم إرادتهم،
على الخضوع لإرادة الشعب، والاعتراف بحقوقه.
 يتبع ......
 
 
 
         
                         
                                     
                                     
                                    
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك