بقلم : آدم بوبل
ـ الدستور والديمقراطية
إنّ الدستور يسير جنبًا إلى جنب مع الديمقراطية، فالأول
يضمن الثانية، والثانية تفترض وجود الأول.
لكن عن أي ديمقراطية نتحدث؟ وعن أي دستور؟
يرى المهدي بن بركة أنّ
> «الديمقراطية ليست لافتة نعلّقها للزينة أمام السياح، بل هي
واقع يجب أن يتيح لكل فرد فرص التقدّم الفعلية.»
أما الدستور، فلا يمكن اعتباره دستورًا حقيقيًا إلا
إذا
> «ضمن الحريات العامة وجعلها قابلة للتطبيق من خلال مراقبة
السلطة ومحاسبتها، ومنع التأثيرات الأجنبية من التدخّل في شؤون وطننا.»
ولكي يتحقق مسار دمقرطة البلاد، لا بدّ من إصلاحات عميقة
— اقتصادية ومؤسساتية واجتماعية وثقافية — وليس مجرد تعديل للدستور يتم بعيدًا عن
ممثلي الجماهير الشعبية الحقيقيين.
إنّ الديمقراطية، في نظر بن بركة، هي أيضًا البحث عن
الجهات الحقيقية التي تملك السلطة العامة، بهدف تحديد المسؤوليات السياسية لكل
فاعل.
> «إنّ ما يهمّ في الدستور، هو تحديد السلطات والمسؤوليات أمام
الشعب، وإقامة مؤسسات حقيقية تعبّر عنه.»
ولا يمكن أن تضمن ذلك إلا جمعية تأسيسية منتخبة.
لقد عاش المهدي بن بركة تجربة دستورية واحدة عن قرب، هي
دستور 7 ديسمبر 1962.
فبعد صدور الظهير المؤرخ في 4 نوفمبر 1962 المتعلق
بتنظيم الاستفتاء، أصدر الأمانة العامة لـ الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 7
نوفمبر 1962 بيانًا ناريًا، احتجاجًا على تحديد فترة التسجيل في اللوائح
الانتخابية في أسبوع واحد فقط، دون إعلان رسمي لتاريخ الاستفتاء أو نشر نص الدستور
المقترح.
وفي اجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 15 نوفمبر 1962، قرّر
الحزب مقاطعة الاستفتاء، أي قبل نشره بثلاثة أيام.
وقد عكست هذه الخطوة تمسّك قادة الحزب — وفي مقدمتهم
المهدي بن بركة، عبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري — بضرورة احترام شكل ومنهج
صياغة الدستور.
لكن الأمر لم يكن شكليًا فحسب؛ إذ إنّ مضمون الدستور
نفسه كان قد كُتب من قبل ممثلين عن المصالح الاستعمارية في المغرب، وكان يكرّس
السلطة الفردية وامتيازات الإقطاع.
وقد استندت أطروحة المعارضين على ضرورة انتخاب جمعية
تأسيسية، وهو المطلب الذي تبنّاه كلّ من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وذراعه
النقابي الاتحاد المغربي للشغل (
يقول بول شمبرجورا Paul
Chambergerat في هذا السياق:
> «يبدو أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الاتجاهات المختلفة في
حال قرر الملك عرض مشروع دستور أعدّه بنفسه مباشرة على الاستفتاء، كما وعد بذلك
سابقًا.»
ويضيف شمبرجورا
> «كان بعض السياسيين مستعدّين للتخلّي، في الوقت
المناسب، عن مطلب الجمعية التأسيسية المنتخبة إذا دُعي الحزب إلى المشاركة في
الحكومة وحصل على ضمانات محددة بخصوص مضمون الدستور. ويمكن إدراج بن بركة ضمن هذه
الفئة.
أمّا الاتجاه الآخر، فكان يدعو إلى معارضة منهجية. وكان
من بين أعضائه بعض عناصر المقاومة، وعلى رأسهم الفقيه البصري، إضافة إلى وزير
المالية الأسبق في حكومة إبراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، الذين كانوا يؤيّدون هذا
الموقف المعارض.»
وقد انتهت قيادة بن بركة لهذه المرحلة الحاسمة يوم 16
نوفمبر 1962، إثر محاولة الاغتيال التي تعرّض لها في الطريق الرابطة بين الرباط
والدار البيضاء.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك