أين اختفى إعلام الأضرحة والمثلية ومجلس السخافة عفوا الصحافة

أين اختفى إعلام الأضرحة والمثلية ومجلس السخافة عفوا الصحافة
أقلام حرة / السبت 04 أكتوبر 2025 - 14:49 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا

الأمر جلل، والمشهد الإعلامي في المغرب بلغ مرحلة تستدعي وقفة تأمل ومراجعة شاملة لكل القائمين على المؤسسات الرسمية والجمعيات التي تتحدث باسم "الصحافة".

لا يمكن إنكار أن الفساد قد تغلغل في مفاصل كثيرة من الدولة، وأن هذا الوباء الإداري والمالي لم يعد خافيا على أحد، لقد كشف جيل "زد" بجرأته ووعيه النقاب عن مرض كان مزمنًا ومسكوتًا عنه، حين خرج الشباب من الفضاء الرقمي إلى الميداني ليعبروا بصدق عن غضبهم (ومتطلبات الشعب)، فكانت كلمتهم صرخة في وجه الفساد لا تشبه ما حدث في دول أخرى، لكنها مؤشر عميق على بداية وعي جدي، ومرحلة جديدة .

لقد صار واضحا أن الفساد ليس ظاهرة معزولة، بل منظومة متكاملة تنخر مؤسساتنا من المحاكم إلى المستشفيات، من الجماعات إلى الوزارات، المواطن أصبح يشعر بالحكرة في كل مرفق عمومي، يواجه الرداءة في التعليم، والابتزاز في الصحة، واللامبالاة في الإدارة، هذه الحقيقة المرة لا يمكن معالجتها بالشعارات ولا بتصريحات المسؤولين التي فقدت المصداقية، بل تحتاج إلى مواجهة صريحة عبر سلطة رابعة حقيقية، لا مجرد ديكور تجميلي اسمه "الصحافة"، والتي بعضها أصبح يقوم بدور "النكافة" .

لكن هذه السلطة الرابعة التي كانت من المفترض أن تكون صمام الأمان تحولت إلى جهاز مقيد ومراقَب، أُفرغ من مضمونه بفعل تدخل وزارة العدل التي نصبت نفسها وصية على الإعلام.

وهذا ليس من حقها.

 إن تحرير المجلس الوطني للصحافة من قبضة السلطة التنفيذية الوزارية بات ضرورة وطنية ملحة، لأن الصحافة لا يمكن أن تؤدي دورها وهي خاضعة لرقابة من يفترض أن تراقبهم، فبدل أن يُمكَّن الصحافيون من حرية الوصول إلى المعلومة، ما زال قانون الحق في الحصول عليها حبيس الرفوف، يتقاذفه الوزراء كما تتقاذف الأمواج بقايا السفن الغارقة.

المشهد الإعلامي اليوم ملوث بفضاء رقمي فوضوي، قنوات إلكترونية هزيلة تتغذى على الفضائح والبوز، تنشر الترهات وتسيء إلى صورة المغرب في الداخل والخارج، فيما النيابة العامة تلتزم صمت القبور أمام هذا الانحطاط الأخلاقي، وفي ابعض الاحيان تتابع من لا يجب أن يتابع وتعفوا عن من يجب أن يتابع، وهذا ليس وقت عتاب..

تُصرف الملايير من المال العام لدعم ما يسميته المغاربة بقنوات الصرف الصحي وليس القنوات الإعلامية الإليكترونية، التي لا همّ لها سوى متابعة أخبار "طوطو" و"هيام ستار" وطقوس الشعوذة والعبث في الأضرحة.

كيف يمكن لهذا الإعلام أن يتحدث عن قيم الوطن، وهو نفسه منخرط في الانحلال والتسطيح؟

وفي خضم الحراك الاجتماعي الأخير، حين واجه شباب مغاربة رصاصات حقيقية في القليعة وسقط بينهم ثلاثة قتلى، اختفى هذا الإعلام كما تختبئ القطط يوم العيد، وهوالإعلام نفسه الذي كان ينقل كل فضيحة ويحاور المثليين على المباشر، اليوم لم نسمع تحقيقًا ميدانيًا ولا تقريرًا جريئًا، لم نرَ من يسأل عن أسماء الضحايا وأعمارهم وعائلاتهم أو أسباب إطلاق النار، أو أي رواية مهما كانت .

هذا الإعلام بدل أن ينقل الحقيقة للمواطنين، إختبأ وبقي يتفرج في الإعلام الرسمي المكتفي بترديد المعزوفة "الكلاسيكية" البالية، جهات خارجية وراء الأحداث..، الجزائر، البوليزاريو، إيران وربما "نسمع الحبشة والفرس وخيل حرب داحس والغبراء" وكل ما لا يتقبله عقل عاقل، وكأن المواطن لا يملك عينين يرى بهما ولا عقلاً يميز به.

أزمة الإعلام المغربي لم تعد مهنية فقط، بل أخلاقية ووجودية.

فحين يصبح الصحافي أداة بيد السلطة، ويفقد استقلاليته، يتحول إلى موظف يتلقى التعليمات لا إلى صوت الشعب، الإعلام الحر ليس خصماً للدولة، بل هو الضمانة الأولى لاستمرارها، لأنه يعكس نبض الشارع ويكشف مكامن الخلل قبل أن تتحول إلى انفجار اجتماعي.

أما أولئك الذين يسمّون أنفسهم "مؤثرين"، فقد صاروا بالفعل "مؤثرات" على القيم والأخلاق، يساهمن في صناعة الانحطاط والابتذال، وينشرن ثقافة التفاهة، وبدل أن يردعهم القانون، يجدون من يمولهم ويروج لهم، إنها مفارقة غريبة أن يُحاصَر الصحافي الشريف في رزقه، بينما تُغدَق الأموال على من يهدم الذوق العام ويُسهم في تحلل المجتمع.

لقد آن الأوان لاستعادة الكلمة الحرة من قبضة التواطؤ، ولإحياء الصحافة كسلطة لا تُشترى تباع ولا تُخنق، المغرب بحاجة إلى إعلام وطني جادّ، لا إعلام استعراضي مريض، يضع مصلحة المواطن فوق كل حساب، ويعيد الثقة بين الناس ومؤسساتهم، ويدعوا إلى السلمية ونبذ كل مظاهر الكره والحقد والعنف داخل المجمتمع، ينبد التخريب والدمار، فالبلد لا يمكن أن ينهض والإعلام غائب ومقيد وموجه أو تابع، ولا يمكن أن تُبنى دولة القانون على صمت الأقلام الحرة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك