الكان CAN وحب الوطن

الكان CAN وحب الوطن
أقلام حرة / الثلاثاء 30 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم: سعيد الكحل

لم يعد "الكان" مناسبة رياضية تتبارى فيها المنتخبات الإفريقية المؤهلة من أجل الفوز باللقب والكأس، بل صار مناسبة تذكي الروح الوطنية وتغذّي مشاعر الانتماء لهذا الوطن. هكذا تلعب كرة القدم عموما، ومنافسات "الكان" خصوصا، دورًا محوريًا في تعزيز الوحدة الوطنية، وبعث مشاعر الفخر والاعتزاز بقدرة المغرب على بناء ملاعب ومنشآت رياضية أذهلت العالم بدقة البناء وبمهارة الإنسان المغربي وبصمودها أمام غزارة الأمطار وقوة الرياح؛ مما مكّن العالم من متابعة حفل الافتتاح والمقابلات الرياضية دون توقف أو تأجيل.

لحظة جعلت مشاعر الاعتزاز بالانتماء لوطن اسمه المغرب تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي للمغاربة، سواء داخل المغرب أو في المهجر.

إن منسوب الوطنية ارتفع بارتفاع الأصوات المشيدة بالنجاح الباهر للمغرب في تنظيم هذه التظاهرة القارية وتأمين بعثاتها الرياضية والإعلامية والدبلوماسية بفضل الخبرة التي راكمتها الأجهزة الأمنية وأغنتها بالمشاركة في تأمين مونديال قطر وأولمبياد باريس. ومن تلك الأصوات: صوت السفير الأمريكي، ديوك بوكان، الذي أشاد بحفل الافتتاح، وأعلن أن بلاده تتطلع إلى تعزيز التعاون مع المغرب في المجال الرياضي، عبر تبادل الخبرات وتقوية الشراكة الثنائية. وصوتُ مدرب زامبيا الذي نوه بمستوى البنية التحتية: "أعتقد أن المغرب قام بعمل رائع، نشعر وكأننا في أوروبا.

البنية التحتية، وحتى ملاعب التدريب والملاعب، هذا أمر مذهل". نفس الاندهاش باكتساب المغرب للتقنية العالية وإبداعه فيها عبرت عنه الصحيفة الأمريكية "وول ستريت جورنال" بسؤالها: "كيف بنى المغرب ملعب كرة قدم «يشرب» الماء؟". أما الصحيفة الصينية "غلوبل تايم" فنوهت بدورها بأن الذكاء المغربي في الاجتهاد لامتلاك تكنولوجيا مبتكرة محلية للماء يفرض التقدير والاحترام والإعجاب. وسر هذا التنويه عبرت عنه الصحيفة كالتالي: "لطالما شكّلت السيطرة على الماء أحد الأسس الجوهرية لقيام الحضارات. ويقدّم المغرب اليوم مثالًا دالًا على ذلك من خلال بنياته التحتية الرياضية. فأنظمة الصرف التي تعتمدها هذه المنشآت لا تمثّل مجرد إنجاز تقني، بل تعبّر عن فعل سياسي يرتبط بالسيادة".

إن كرة القدم لم تعد لعبة تبدأ وتنتهي مع صفارة الحكم، بل صارت قوة ناعمة تساهم في تحسين صورة المغرب على المستوى الدولي، وتعزز من مكانته بين الأمم؛ الأمر الذي ينعكس إيجابيا على الدبلوماسية والاقتصاد والسياحة والثقافة، فضلا تعزيز القيم الإيجابية مثل التعاون والانضباط والروح الرياضية، ومنح الشباب قدوة حسنة في التفاني والعمل الجماعي من أجل تحقيق أهداف مشتركة.

إن المشاعر الوطنية العالية التي تملّكت نفوس المغاربة بما تحقق للوطن، والتي جعلتهم يشعرون بالندية والتفوق في مجال المنشآت الرياضية والبنيات التحتية (حضور رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، باتريس موتسيبي، عدة مباريات في اليوم الواحد بفضل التنظيم المحكم والجاهزية اللوجستية التي يتوفر عليها المغرب) سرعان ما أغاظت التحالف الإيديولوجي، الإسلاموي واليسراوي، الذي لا يعجبه العجاب ولا الصوم في رجب. تحالف ظل يراهن على التشويش والتضخيم والتحريض والابتزاز لتشكيل رأي عام مناهض لاختيارات الدولة الإستراتيجية ولقراراتها السيادية ولانتصارها للمصالح العليا للوطن.

تحالف جعل من معاداة النظام واستهداف مؤسسات الدولة خبزه اليومي. لهذا ظلت أنشطته مركزة على الاحتجاجات والمظاهرات والمسيرات من أجل قضايا لا علاقة لها بالمعيش اليومي للمواطنين ولا بتطلعاتهم وانتظاراتهم. تحالف، كما استكثر على المغاربة الفرح والمرح، استكثر عليهم كذلك الانتشاء بالانتصار الدبلوماسي في قضيتنا الأولى والمركزية، قضية الصحراء المغربية.

هذا التحالف الإيديولوجي الهجين انفضحت نواياه ومخططاته مع إعلانه تنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية من أجل غزة وضد التطبيع بالتزامن مع حفل افتتاح "الكان". لم يراع هذا التحالف رمزية حفل الافتتاح ولا مناسبة استضافة المغرب للمنتخبات الإفريقية والبعثات الرياضية والإعلامية والدبلوماسية، والتي هي ليست مناسبة عادية ولا يمكن للمغرب استضافتها وقتما شاء. لا شك أن استغلال هذه المناسبة الكروية القارية للتشويش على المغرب وإظهاره كبلد يعيش الفوضى والتقاطبات، لا ينم فقط عن انعدام الروح الوطنية والشعور بالمسؤولية، بل يكشف عن درجات الاغتراب الهوياتي التي يعاني منها هذا التحالف بعد أن جعل من قضية غزة جوهر وجوده ومبلغ انشغاله.

والأغرب في الأمر أن هذا التحالف، كما هي طبيعة كل تيار متطرف، يصر على طمس هوية المواطن المغربي ومسخها، ليجعل منه كائنا مغتربا في وطنه، أي مواطنا بهوية فلسطينية مزورة. ذلك أن تنظيم "11 مسيرة وطنية شعبية كبرى، و17 يومًا وطنيًا احتجاجيًا تضامنيًا، وأكثر من 210 مسيرة محلية، و700 وقفة محلية، بالإضافة إلى 33 ندوة أو مهرجانًا و90 فعالية أو مبادرة أخرى"، من قِبل هيئة واحدة تخصصت في معاداة المصالح العليا للوطن وتقديم المغرب كأنه المسؤول المباشر عن معاناة الفلسطينيين، أو هو صاحب القلم في مجلس الأمن.

إن هذا التحالف هو الذي حرض على مقاطعة الملاعب الرياضية ودعا إلى عدم اقتناء تذاكر المقابلات الكروية بعدما فشل في تأجيج مشاعر الغضب ضد الدولة وضد تنظيمها لكأس أمم أفريقيا وبعده كأس العالم لسنة 2030.

فمعاداة الوطن لا تكون بالضرورة في شكل حرب عصابات أو خلايا إرهابية ومخططات دموية، فتلك أشكال تكلفت بها الأجهزة الأمنية بفعل خبرتها وجاهزيتها وحنكتها التي مكنتها من اجتثاث جذور الإرهاب وتحصين المغرب من خطره؛ بل المعاداة هي تلك التي تتولاها فئة من الداخل اختارت خدمة أجندات خصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية عبر التشويش والتبخيس.

لهذا جاء خطاب جلالة الملك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء سنة 2014 فاصلا في الأمر ورافعا لكل لبس أو تأويل: "أي شخص إما أن يكون وطنيا أو خائنا. فليس هناك مرتبة وسطى بين الوطنية والخيانة".

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك