أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
في مشهد غير مسبوق، تحوّلت مناورات “الأسد الإفريقي 2025” التي احتضنها المغرب إلى حدث عسكري وجيوسياسي لافت، جعل من المملكة منصة استراتيجية تتجاوز الأبعاد التدريبية الكلاسيكية، لتصبح فاعلاً إقليمياً محورياً في حفظ الأمن بمنطقة الساحل وإفريقيا، وواجهة جديدة للشراكة العسكرية الأمريكية خارج الناتو.
أكبر تمرين عسكري مشترك في تاريخ المغرب
على امتداد التراب المغربي، من الأطلس إلى الصحراء، شاركت أكثر من 40 دولة في هذه النسخة من مناورات الأسد الإفريقي، التي تعد الأضخم منذ انطلاقها قبل نحو عقدين. وقد شهدت المناورات لأول مرة مشاركة وحدات “الرد السريع”، وهو ما يعكس تطوراً نوعياً في مستوى التنسيق العملياتي بين المغرب والولايات المتحدة، ويوجه رسالة واضحة حول جاهزية الحلفاء لمواجهة التحديات المعقدة العابرة للحدود.
قاذفات B-52 في سماء المغرب.. رسائل ردع عابرة للقارات
الحدث الذي شدّ الأنظار في هذه المناورات كان ظهور قاذفات B-52 الأمريكية الاستراتيجية، القادرة على حمل رؤوس نووية، إلى جانب مقاتلات F-16 المغربية في عمليات جوية قتالية بالذخيرة الحية. هذا التطور يحمل رسائل ردع واضحة تتجاوز تهديد الجماعات الإرهابية، لتطال أطرافاً إقليمية أو دولية قد تفكر في تهديد استقرار المنطقة.
تدريبات مركّبة تحاكي التهديدات المعاصرة
لم تقتصر المناورات على سيناريوهات المواجهة التقليدية، بل شملت تدريبات لمجابهة الهجمات السيبرانية، والتصدي للإرهاب العابر للحدود، وإجراء عمليات إنزال برمائي معقدة. وبهذا تكون “الأسد الإفريقي” قد أصبحت مختبراً حقيقياً لتطوير الجيوش وتبادل الخبرات العسكرية المتقدمة.
ما بعد فرنسا.. واشنطن تعوّل على الرباط
تأتي هذه المناورات في ظرفية إقليمية دقيقة، مع الانسحاب الفرنسي التدريجي من منطقة الساحل، وتوجه الولايات المتحدة إلى إعادة رسم خريطة تحالفاتها في إفريقيا. وهنا، يبرز المغرب كـ"شريك موثوق"، وفق تعبير قائد “أفريكوم” الجنرال مايكل لانغلي، الذي وصف الشراكة مع المملكة بأنها أصبحت من ركائز الأمن والاستقرار في القارة.
باحثون: المغرب يتحوّل إلى قوة إقليمية بثقل استراتيجي
الدكتور محمد شقير، الباحث في الشؤون العسكرية، يرى أن المشاركة المكثفة الأمريكية، واستعمال قاذفات B-52، يشكلان دليلاً على ثقة واشنطن المتزايدة في القدرات العسكرية المغربية. كما أشار إلى أن المناورات تأتي في إطار الشراكة الاستراتيجية الممتدة 2020-2030، والتي تتعزز بصفقات تسليح كبرى أبرزها اقتناء مروحيات أباتشي.
وبحسب شقير، فإن “الأسد الإفريقي” لم تعد مجرد تمارين، بل أصبحت أداة جيوسياسية لإعادة تموضع الولايات المتحدة في إفريقيا بعد تراجع النفوذ الفرنسي، ووسيلة لإبراز موقع المغرب كفاعل إقليمي أساسي في معادلات الأمن والدفاع.
المغرب في قلب التحالفات الجديدة
رسائل “الأسد الإفريقي 2025” تتعدى المجال العسكري؛ فهي ترسيخ لدور المغرب كمحور استقرار، وإعادة رسم لخارطة التوازنات الإقليمية. فمن صحراء المملكة، باتت الولايات المتحدة وحلفاؤها يبعثون برسائل واضحة لكل من يهدد أمن إفريقيا، بأن المغرب ليس فقط شريكاً، بل ركيزة في معادلة الأمن العالمي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك