أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
تعيش الأسر المغربية خلال السنوات الأخيرة أمام واقع جديد يزداد استفحاله يوماً بعد يوم: هيمنة مطلقة للألعاب الإلكترونية والهواتف والحواسيب على يوميات الأطفال، مقابل غياب شبه كامل لسياسات حكومية لحماية الطفولة من هذا “الاكتساح الرقمي” الذي يحمل في طياته نتائج سلبية خطيرة نفسياً وسلوكياً وصحياً واجتماعياً.
الإدمان يبدأ مبكراً والأرقام صادمة
لم يعد استعمال الهاتف أو الحاسوب مقتصراً على فئات عمرية محددة، بل أصبح أطفال لا يتجاوز عمرهم ثلاث سنوات يحملون الأجهزة الذكية لساعات طويلة يومياً.
تُظهر تقارير غير رسمية أن العديد من الأطفال في المغرب يقضون أكثر من 5 إلى 8 ساعات يومياً أمام الشاشات، وهو معدل يفوق بكثير ما توصي به المنظمات الصحية العالمية.
هذا التعرض المفرط يحوّل اللعب الرقمي إلى إدمان حقيقي، تظهر علاماته في التوتر، العصبية، فقدان التركيز، والانغلاق الاجتماعي.
انهيار مهارات التواصل والانفصال عن الأسرة
تشتكي أسر مغربية عديدة من تراجع مهارات التواصل عند الأطفال بسبب الانغماس في الألعاب الإلكترونية، إذ لم يعد الكثير منهم يشارك في الأنشطة العائلية أو التربوية، مفضّلين العزلة أمام الشاشة.
هذا السلوك وفق مختصين، يخلق جيلاً “يتواصل مع الأجهزة أكثر مما يتواصل مع البشر”، ما يهدد البنية الاجتماعية داخل الأسرة.
نتائج كارثية على التحصيل الدراسي
المدرسة أيضاً لم تسلم من التأثير. فقد سجلت مؤسسات تعليمية تدهوراً واضحاً في مستوى التركيز والإنجاز الدراسي، بسبب السهر الليلي على الألعاب، تشتت الانتباه، وغياب الاستقرار الذهني.
ويؤكد أساتذة أن عدداً كبيراً من التلاميذ يدخلون الفصل وهم في حالة إنهاك، ما يؤدي إلى انخفاض في معدلاتهم وغيابهم المتكرر.
العنف الرقمي وألعاب تُطبع مع العدوانية
كمية الألعاب التي تعتمد على العنف والقتل والانتقام تزداد بشكل مهول، ما يؤدي، وفق خبراء علم النفس، إلى تطبيع الأطفال مع السلوك العدواني وجعل العنف أمراً عادياً في مخيلتهم.
وقد ارتفعت في السنوات الأخيرة حالات تقليد الأطفال لمشاهد ألعاب خطيرة، ما ينذر بكارثة تربوية إذا استمرت الظاهرة في غياب أي مراقبة.
مخاطر صحية غير مرئية
إلى جانب الانعكاسات النفسية والسلوكية، يواجه الأطفال تهديدات بدنية مباشرة:
السمنة بسبب غياب الحركة
مشاكل البصر الناتجة عن الإضاءة القوية
اضطرابات النوم بسبب التعرض للشاشات ليلاً
مشاكل في العمود الفقري بسبب الجلوس الخاطئ لساعات طويلة
هذه المخاطر الصحية تتوسع بسرعة أكبر مما تستوعبه البنية الصحية الوطنية.
فراغ تشريعي وصمت حكومي مريب
رغم كل هذه المؤشرات المقلقة، لا توجد في المغرب أي استراتيجية حكومية واضحة لتنظيم استعمال الأطفال للشاشات أو مراقبة محتوى الألعاب الإلكترونية.
لا قوانين، لا حملات توعية وطنية، لا برامج مدرسية للحماية الرقمية، ولا مراكز تأطيرية للأسر.
والنتيجة: الأسر تُركت وحيدة في مواجهة شركات تكنولوجية عملاقة تُسوق ألعاباً “مصممة خصيصاً للإدمان”.
مستقبل الطفولة على المحك
مع استمرار هذا الوضع، يحذر متخصصون من أن المغرب قد يكون أمام جيل كامل مهدد بفقدان المهارات الاجتماعية، الضعف الدراسي، هشاشة نفسية، وزيادة السلوكيات العنيفة.
وفي غياب أي تدخل للدولة، يتحول الأمر من مجرد ظاهرة تربوية إلى أزمة مجتمعية صامتة ستؤثر على مستقبل البلاد برمّته.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك