
أنتلجنسيا المغرب: حمان ميقاتي/م.كندا
عاشت مدينة بريمن على مدى ثلاثة أيام
على إيقاع مغربي خالص، حيث تحولت ساحة السوق التاريخية إلى لوحة نابضة بالألوان
والأصوات والروائح القادمة من عمق الثقافة المغربية. هذا الفضاء الرمزي الذي يجاور
البرلمان الإقليمي ومجلس الشيوخ احتضن فعاليات "الأيام الثقافية
المغربية"، وجذب مئات الزوار من مغاربة وألمان وأوروبيين، في تظاهرة شكلت
جسرا للتواصل بين ضفتي المتوسط.
منذ اليوم الأول، اكتست بريمن حلة
مغربية أصيلة. الأعلام والديكورات التقليدية زينت الساحة، فيما انتشرت أجواء
البهجة التي جمعت بين عبق التقاليد وروح الحداثة. الحضور كان متنوعا، من أفراد
الجالية المغربية الذين جاؤوا من مختلف المدن الألمانية، إلى سكان بريمن والسياح
الذين صادفوا الحدث في قلب الحي التاريخي، ليلمسوا عن قرب غنى التراث المغربي.
الحفل الختامي كان مسكا، إذ أحيته
أسماء فنية بارزة على رأسها عصام كمال مؤسس فرقة "مازاغان"، الذي أشعل
الأجواء بإيقاعات مغربية عصرية. ثم جاء دور "الدقة المراكشية" التي
ألهبت حماس الجماهير بإيقاعاتها التراثية، قبل أن تختم فرقة "الكدرة باب
الصحراء" الرحلة الموسيقية بأهازيج حسانية أخذت الجمهور في سفر روحي نحو عمق
الصحراء المغربية.
لم يكن الجمهور الفني وحده المستفيد
من هذه التظاهرة، بل حتى عشاق كرة القدم الذين حضروا مباراة فيردر بريمن وفرايبورغ
بالدوري الألماني، حيث لم يترددوا في التوقف للاستمتاع بقطع من المغرب قبل وبعد
اللقاء. مشهد جمع بين التنافس الرياضي وروح الاحتفال الثقافي، ليبرهن على أن الفن
قادر على تجاوز الحدود وإذابة الفوارق.
البرنامج كان ثريا ومتعددا، إذ لم
يقتصر على الموسيقى فقط، بل شمل فنون الطبخ التي جذبت جمهورا واسعا. الزوار
الألمان والشباب من أصول مغربية شاركوا في ورشات تعلموا خلالها طرق تحضير الكسكس
والطاجين، ليتذوقوا عن قرب نكهة المغرب التي تعكس روح التقاليد والألفة العائلية.
السينما بدورها حضرت بقوة، حيث عرض
مخرجون مغاربة مقيمون في بريمن أفلاما قصيرة سلطت الضوء على قضايا الهوية والذاكرة
والتعدد الثقافي. أما الفكاهة، فقد أضفت لمسة خفيفة الظل على الأجواء عبر عروض
كوميدية حملت الكثير من السخرية الذكية التي جسدت ملامح العيش بين ثقافتين.
الجانب الإنساني لم يكن غائبا، فقد
استعاد أفراد من الجالية المغربية الأولى التي استقرت في ألمانيا منذ ستينيات
القرن الماضي ذكرياتهم، ورووا تجارب الاندماج وصعوبات الغربة وكيف ساهموا في بناء
اقتصاد المدينة الصناعية والمينائية. شهادات شكلت جسرا بين الماضي والحاضر، وأكدت
على عمق الحضور المغربي في بريمن.
الدعم الرسمي عزز قيمة الحدث، حيث حضر
ممثلون عن مجلس شيوخ بريمن وأشادوا بالدور الكبير للجالية المغربية في التنمية
المحلية، معتبرين أن هذه المبادرات تساهم في تعزيز التبادل الثقافي. كما عبرت
سفيرة المغرب بألمانيا، زهور العلوي، عن اعتزازها بالنجاح الذي حققته الأيام
الثقافية، مؤكدة أن الثقافة المغربية بما تحمله من موسيقى وطبخ وسينما وتراث، تمثل
رافعة للتقارب بين الشعوب.
كارمن إيميغولتس، كاتبة الدولة
المكلفة بالثقافة في ولاية بريمن، لم تخف إعجابها بالحدث، واعتبرته نموذجا
للاندماج الناجح، مؤكدة أن قيم الانفتاح والتسامح التي حملتها التظاهرة تعكس جوهر
المجتمع الألماني الحديث وروح المشاركة التي تجعل من بريمن مدينة حوار وتعايش.
وبعد ثلاثة أيام من الاحتفالات، أدرك
الجميع أن "الأيام الثقافية المغربية" لم تكن مجرد مهرجان عابر، بل محطة
لتجديد الروابط بين الجالية المغربية ووطنها الأم، وفضاء للتقريب بين ثقافتين
تجمعهما قيم إنسانية مشتركة. كانت بريمن في تلك الأيام مغربية الهوى والهوية،
مدينة ألمانية بنبض شرقي، جسدت قوة الثقافة كجسر للتقارب والصداقة بين المغرب
وألمانيا.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك