الزهايمر في المغرب:مرض يتقدّم في صمت

الزهايمر في المغرب:مرض يتقدّم في صمت
تقارير / الأحد 21 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم:عبد الحق الريكي

قضية صحية ما زالت خارج دائرة النقاش العمومي

يُعدّ مرض الزهايمر اليوم أحد أبرز التحديات الصحية في العالم. غير أنّه في المغرب لا يزال هذا المرض بعيدًا عن النقاش العمومي، وغالبًا ما يُختزل في كونه نتيجة طبيعية للتقدّم في السن، أو يُخفى داخل البيوت بدافع الخجل أو نقص الوعي. هذا الغياب لا يعكس حجم المشكلة، بل يؤجل مواجهتها.

في المقابل، يعرف المغرب تحوّلًا ديمغرافيًا واضحًا. فارتفاع متوسط العمر وتغيّر البنية الأسرية يؤديان حتمًا إلى تزايد الأمراض المرتبطة بالشيخوخة، وعلى رأسها الخرف ومرض الزهايمر.

الشيخوخة: واقع ديمغرافي لا يمكن تجاهله

العمر هو العامل الرئيسي في الإصابة بمرض الزهايمر. ومع تقدّم المجتمع المغربي في السن، يصبح ارتفاع عدد الحالات أمرًا طبيعيًا ومتوقعًا. هذا المسار عرفته كل المجتمعات التي دخلت مرحلة الانتقال الديمغرافي.

الإشكال لا يكمن في الظاهرة نفسها، بل في ضعف الاستعداد لها. فالشيخوخة الحقيقية للسكان لم تُدمج بعد بالشكل الكافي في السياسات العمومية للصحة والحماية الاجتماعية، مما يخلق فجوة متزايدة بين الواقع والحلول المتاحة.

مرض مخفي داخل العائلات

في المجتمع المغربي، لا يزال الزهايمر يُعامل كمرض صامت. كثير من الأسر تفضّل إخفاء الحالة أو تفسيرها على أنها “شيخوخة عادية”. وغالبًا ما يتم التشخيص في مراحل متأخرة، بينما تتحمّل الأسرة وحدها عبء الرعاية اليومية.

هذا الصمت لا يحمي المريض، بل يعمّق معاناته، ويستنزف طاقة المرافقين، ويحول دون بناء استجابة جماعية قائمة على الدعم والتكفل المؤسسي.

لقاح كوفيد-19 والزهايمر: التمييز بين القلق والواقع العلمي

في سياق جائحة كوفيد-19، ظهرت مخاوف لدى بعض المواطنين بشأن احتمال وجود علاقة بين التلقيح واضطرابات معرفية. وقد أشارت دراسة رصدية أُجريت في كوريا الجنوبية إلى وجود ارتباط إحصائي في فئة محددة.

غير أن هذه الدراسة لا تثبت وجود علاقة سببية، كما أشار إلى ذلك باحثون وخبراء بسبب حدود منهجية واضحة. وإلى اليوم، لا تؤكد المعطيات العلمية المتوفرة أن لقاحات كوفيد-19 تسبب مرض الزهايمر.

في سياق شيخوخة سريعة للسكان، قد يُساء تفسير ارتفاع عدد التشخيصات وربطه بأحداث معاصرة، في حين أن العامل الديمغرافي يظل التفسير الأساسي.

شهادات شخصية تستحق الإصغاء

في المغرب، يعبّر بعض الأشخاص عن أعراض مختلفة بعد التلقيح، سواء كانت معرفية أو جلدية أو وظيفية. هذه الشهادات تعبّر عن تجربة إنسانية حقيقية، ويجب الاستماع إليها باحترام.

لكنها، في حد ذاتها، لا تشكّل دليلًا علميًا. فاللقاحات المستعملة في المغرب، سواء الصينية أو البريطانية أو الأمريكية، تخضع لمراقبة دولية، ولم يُثبت وجود علاقة بينها وبين اختلالات ناتجة عن المعادن الثقيلة أو أمراض عصبية تنكسية.

نقص حاد في بنيات التكفّل

من أكثر جوانب الملف إثارة للقلق ضعف البنيات المخصصة لرعاية مرضى الزهايمر. في الرباط، تشير معطيات الأسر إلى وجود مركز نهاري واحد فقط، يقدّم خدمات محدودة زمنياً، مقابل اشتراك شهري مرتفع مقارنة بطبيعة الرعاية المقدمة.

وعند مقارنة هذا الوضع بدول قريبة مثل إسبانيا، يظهر الفرق بوضوح. هناك، تُعتبر رعاية مرضى الزهايمر جزءًا من السياسات العمومية، من خلال مراكز نهارية مفتوحة يوميًا، وتكفّل متعدد التخصصات يشمل العلاج الحركي، والدعم النفسي العصبي، وتقويم النطق، إضافة إلى التغذية والنقل.

هذا التفاوت لا يعكس فقط اختلاف الإمكانيات، بل اختلافًا في ترتيب الأولويات الصحية.

العائلات في مواجهة المرض وحدها

في غياب بنية مؤسساتية كافية، تتحمّل العائلات العبء الأكبر، وغالبًا ما تكون النساء في الصف الأول. بدون تكوين، وبدون دعم نفسي أو اجتماعي، يتحوّل التكفّل إلى معاناة صامتة. وهكذا يصبح الزهايمر مرضًا مزدوجًا: مرض يصيب المريض، وإرهاق يصيب المرافق.

أفق 2030: مسؤولية واستباق

مع اقتراب عام 2030، واستعداد المغرب لاحتضان تظاهرة عالمية كبرى، تبرز فرصة حقيقية لربط التنمية بالبُعد الاجتماعي والصحي. إن إنشاء مراكز نهارية متخصصة في رعاية مرضى الزهايمر، على الأقل في عواصم الجهات والمدن التي تتوفر على البنية التحتية، سيكون خطوة ضرورية لمواجهة تحديات الشيخوخة المقبلة.

الخلاصة:شهادة شخصية ونداء جماعي

أعلم أن العديد من الأمراض تصيب فئة المسنين وتشكل، عن حق، أولويات للأنظمة الصحية. فالشيخوخة تفرض تحديات طبية واجتماعية واقتصادية معقدة.

لكن إصراري على الحديث عن مرض الزهايمر نابع أيضًا من كوني مصابًا ببداية هذا المرض. لا أهدف إلى الاتهام أو التهويل، بل إلى الشهادة والتنبيه إلى واقع ما زال يُعاش في صمت.

الحديث عن الزهايمر اليوم لا يعني تفضيل مرض على آخر، بل يعني الاعتراف بالشيخوخة الحقيقية لمجتمعنا، والدعوة إلى استجابة مسؤولة، استباقية، وإنسانية.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك