أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
خلف صورة “الهجرة الموسمية المنظمة” لإسبانيا، تختبئ معاناة قاسية لآلاف النساء المغربيات العاملات في حقول الفراولة جنوب إسبانيا.
عاملات جرى استقدامهن تحت وعود الشغل الكريم، فوجدن أنفسهن في واقع هش، تتحكم فيه علاقات قوة غير متكافئة، حيث يتحول الجسد إلى أداة ابتزاز، والعمل إلى وسيلة إخضاع.
تحرش وابتزاز مقابل الاستمرار
شهادات متطابقة، وتقارير حقوقية وإعلامية متكررة، كشفت أن عدداً من هؤلاء النساء يتعرضن للتحرش الجنسي، والضغط، وأحياناً لفرض علاقات جنسية من طرف مشرفين وأرباب ضيعات، مقابل الاحتفاظ بالعمل أو تجديد العقود.
فالصمت المكسور هنا ليس اختياراً، بل نتيجة خوف مركب، حيث فقدان مصدر العيش، الترحيل، أو التشهير.
هشاشة قانونية تعني الإفلات من العقاب
وضعية العاملات القادمات من المملكة المغربية، والموسميات تجعلهن في موقع ضعف قانوني شديد.
حيث عقود مؤقتة، إقامة مرتبطة بالمشغل، وجهل بالحقوق، كلها عوامل تُنتج دائرة مغلقة من الاستغلال.
في هذا السياق، يصبح التبليغ مغامرة خطيرة، بينما يتمتع المتحرشون بحماية غير مباشرة مصدرها صمت المؤسسات وتعقيد المساطر.
الدولة المغربية شريك بالصمت
المسؤولية لا تقع على أرباب الضيعات الإسبان وحدهم، فالدولة المغربية، التي تقدم نفسها كوسيط ومنظم للهجرة الموسمية، تتحمل قسطاً ثقيلاً من المسؤولية السياسية والأخلاقية.
فاختيار نساء في وضعية اجتماعية هشة، وإرسالهن دون آليات حماية فعالة، ثم تركهن يواجهن الانتهاكات وحدهن، هو تواطؤ بالصمت.
حكومة بلا حماية ولا محاسبة
الحكومة المغربية لم تضع آليات مستقلة للتتبع، ولا قنوات آمنة للشكايات، ولا حماية قانونية حقيقية للضحايا.
بل إن الخطاب الرسمي، يكتفي بتسويق “نجاح التجربة” بالأرقام والتحويلات المالية، متجاهلاً الكلفة الإنسانية والنفسية التي تدفعها النساء.
كرامة النساء ليست سلعة تصدير
ما يحدث في حقول الفراولة ليس حوادث معزولة، بل نتيجة نموذج هجرة قائم على الاستغلال، يضع الربح قبل الكرامة.
واستمرار هذا الوضع يطرح سؤالاً جوهرياً، كيف تسمح دولة لنفسها بتصدير هشاشة نسائها، ثم التنصل من حمايتهن عندما يتحولن إلى ضحايا؟
صرخة بلا صدى
معاناة العاملات المغربيات في إسبانيا، تكشف فشلاً مزدوجاً، فشل دولة الاستقبال في الحماية، وفشل الدولة المصدّرة في الدفاع عن مواطناتها.
وبين هذا وذاك، تظل نساء الفراولة عالقات في صمت ثقيل، ينتظرن عدالة لم تأتِ بعد، ومساءلة سياسية ما زالت مؤجلة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك