محمد الطالبي: حين تحوّلت كرة القدم إلى فاجعة تاريخ ملعب " الكفاح " (الجزء الثالث)

محمد الطالبي: حين تحوّلت كرة القدم إلى فاجعة تاريخ ملعب " الكفاح " (الجزء الثالث)
تقارير / الأربعاء 16 يوليو 2025 - 07:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم " محمد الطالبي

أحداث الشغب بين جمهور سيدي يحيى الغرب وسيدي سليمان

يوم النكسة وفاة مشجع من فريق الحسنية

في أحد أيام شتنبر سنة 1961، تدفّقت الجماهير منذ الصباح الباكر نحو الملعب البلدي لحضور مباراة حاسمة بين فريقي الكفاح والحسنية، حتى جمهور "الخاص"، أي النساء، حجّ بكثافة إلى الجهة الجنوبية من الملعب كما جرت العادة، من زاوية الميدان إلى نقطة وسطه.

كان الجو مشحونًا منذ البداية، رغم ملامح الاحتفال التي رافقت التنشيط الصباحي الذي قاده المرحومان "التايكة وحرود" بزمارتهما وطبولهما منذ الحادية عشرة صباحًا وحتى انطلاق المباراة عند الثالثة والنصف بعد الظهر، لكن هذا "الاحتفال" سيتحوّل بسرعة إلى احتقان كان من الممكن تفاديه لو سادت الروح الرياضية وثقافة التسامح.

بعيدًا عن الأجواء الإيجابية، كانت علامات التوتر بادية على محيا الجماهير، وانقلبت جنبات الملعب من فضاء تشجيع إلى منبر للتهديد والوعيد، مظاهر الفرح التي اعتادها جمهور الكفاح تحولت إلى طيف باهت في ملعب سبق أن عرف أحداثًا مشابهة، كما حدث في ملعب الحسنية سابقًا، الجماهير هذه المرة، وبدل أن تكون عنصر دعم، كانت على موعد مع فورة غضب جماعي فجّرت مشاعر الانتقام على خلفية أحداث مقابلة الذهاب، حيث تعرض لاعبو الكفاح، حينها، لاعتداءات وإهانات موثقة، بلغت حد الصفع والسخرية الصبيانية عند مغادرتهم للملعب، ولم يسلم حتى الجمهور المرافق من التنكيل ذلك اليوم.

دخل لاعبو الحسنية أرضية الملعب وسط حراسة مشددة من عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة للقيام بالإحماءات، في وقت كان جمهور الكفاح يتأجج بنظرات الهيجان، قبل أن يلتحق بهم لاعبو الكفاح بعد دقائق، موجّهين انحناءة احترام رمزية للجمهور، زادت من شحن الأجواء، انطلقت المباراة بركلة أولى لفريق الحسنية، لكن الفريق لم يلبث سوى ثوانٍ حتى بدا عليه الرعب والارتباك، اللاعبون، وقد أدركوا خطورة الموقف، لم يحاولوا حتى الدفاع عن أنفسهم كروياً، بل بدوا وكأنهم ينتظرون صافرة النهاية للنجاة، فقد تحوّل الملعب إلى مسرح للرعب بعد أن سدّ الجمهور كل المنافذ، بما فيها طريق مستودع الملابس الذي يبعد بـ150 مترًا عن رقعة الملعب.

انقلبت المباراة إلى تمرين هجومي لفريق الكفاح، قاده المرحوم "حسن السيوطي رفقة أخيه امحمد السيوطي، ومحمد بودودة، والطيب عمر، وبنعاشر، وهدى، واسمينة عزوز، وإبراهيم الوجدي، سجل الهدف فرح الجمهور، توالت الأهداف، الأول فالثاني فالثالث فالرابع، بينما ظل لاعبو الحسنية متجمدين، متكتلين خارج منطقة الجزاء دون أية مقاومة، حتى أعلن الحكم نهاية الشوط الأول بنتيجة قاسية.

العملاق "سعيد بن أحمد"، حارس الكفاح، لم يلمس الكرة سوى مرات معدودة، وفي الشوط الثاني، استمر المشهد الكارثي، فريق الحسنية بلا رد فعل، والجمهور يزداد غليانًا.

مع صافرة النهاية، لم تنته المأساة، بل بدأت.

تحوّل الملعب ومحيطه إلى حلبة مطاردة، راح ضحيتها أحد مرافقي فريق الحسنية، بعدما حاول الفرار رفقة آخرين، قبل أن يُكتشف أمره ويسقط جثة هامدة بالقرب من الكنيسة التاريخية للمدينة، الحادثة ستظل محفورة في ذاكرة الكرة اليحياوية كصفحة سوداء تعكس لحظة انفجار جماهيري في لحظة كان يفترض أن تكون رياضية خالصة.

الخسارة المتعمّدة للحسنية، والفوز العريض للكفاح، لم يمنعا اندلاع أعمال العنف، والإنتقام من مباراة الذهاب، حشود الغاضبين حوّلوا محيط الملعب إلى ساحة انتقام جماعي، استهدفت الأبرياء ممن لم يكن لهم ذنب سوى عشقهم للعبة، لكن، ورغم بشاعة الحدث، يجب القول إن الاعتداءات لم تكن من صنع كل الجماهير، بل نفذها عدد محدود من القاصرين، تأثروا بخطاب الكبار الذي ظل يؤجج نار العداء لأكثر من أسبوعين.

من الشغب بالرشق بالحجارة، إلى الضرب بالعصي والقنينات..، إلى تتبع كل من يحمل لون الحسنية في ثوبه أو قلبه.

هكذا انتهت المقابلة، وانتهت معها حياة إنسان، وانتهى معها شغف مدينـة بكاملها، كانت تؤمن بأن بوابة الارتقاء هي المستطيل الأخضر، انتهى حلم شباب يعشقون الكفاح، لا كاسم نادٍ فقط، بل كنهج حياة، وفي انتظار قرارات العصبة التأديبية حينها، أعلنت المدينة الحداد على صفحة أليمة من تاريخها الرياضي، لتبدأ الأسئلة المؤلمة.

هل يستحق الشغف أن يُدفع ثمنه بالدم؟

وهل يُمكن للكرة أن تعود يومًا إلى سحرها النقي في مدينة مزّقها الحقد الرياضي؟

يتبـــــع ...

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك