أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
عاد البطيخ الأحمر، أو "الدلاح" كما يُعرف شعبياً، إلى واجهة الجدل الصحي بالمغرب، بعد تسجيل حالات تسمم غذائي في عدد من المدن، يرجح أنها مرتبطة بتناول هذه الفاكهة الصيفية التي لطالما أثارت المخاوف حول سلامتها.
الحادث يعيد إلى الأذهان الجدل المتجدد كل صيف حول معايير السلامة الصحية في إنتاج وتسويق الدلاح، وسط اتهامات باستخدام مبيدات ومحفزات نمو بطرق عشوائية وغير مراقبة، ما يعرض صحة المستهلكين للخطر.
حالات تسمم متفرقة وأصابع الاتهام تتجه نحو "الدلاح"
في الأيام الأخيرة، سُجلت حالات متعددة لتسمم غذائي في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، مراكش، سلا، وفاس، نقل على إثرها مواطنون إلى المستشفيات بعد ظهور أعراض حادة مثل:
آلام شديدة في البطن،
غثيان وقيء،
إسهال حاد مصحوب بالحمى.
ورغم غياب بيان رسمي من وزارة الصحة، فإن تقارير طبية محلية وشهادات أسر الضحايا تشير إلى أن المشترك بين أغلب الحالات كان استهلاك الدلاح في وقت وجيز قبل ظهور الأعراض.
ما الذي يحدث؟ هل هو التسمم البكتيري أم الكيماوي؟
الخبراء يُفرّقون بين نوعين من التسممات المحتملة:
تسمم بكتيري أو ميكروبيولوجي: يحدث نتيجة تعرض الدلاح لتلوث خارجي أثناء الحصاد أو التخزين أو التوزيع، خصوصًا في ظل الحرارة المرتفعة وسوء النظافة.
تسمم كيميائي: وهو الأخطر، ويُرجح أن يكون مرتبطًا باستخدام مواد كيماوية محفزة للنمو أو مبيدات حشرية ممنوعة أو غير مراقبة تُحقن مباشرة في التربة أو تُرش على الثمار.
ويرى مختصون في السلامة الغذائية أن "الدلاح المغربي" بات رهين منطق السوق والربح السريع، مما يدفع بعض المنتجين إلى التسريع في الإنتاج ولو على حساب صحة المستهلك.
غياب المراقبة الصارمة يزيد الوضع سوءًا
رغم أن المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA) يعلن بشكل دوري عن حملات مراقبة، فإن نسبة المراقبة الفعلية على أرض الواقع تبقى محدودة جدًا، خصوصًا مع اتساع المساحات المزروعة بهذه الفاكهة وتوزيعها على نطاق وطني.
كما أن تسويق الدلاح يتم في جزء كبير منه عبر أسواق شعبية ووسطاء غير مقيدين بمعايير السلامة، ما يصعب عملية تتبع مصدر الفاكهة في حالة حدوث تسمم.
وفي حالات سابقة، عجزت السلطات عن تحديد مكان الإنتاج أو نوع المواد المستعملة بسبب غياب نظام التتبع والشفافية في سلسلة التوزيع.
هل الدلاح المغربي خطير؟ السياق البيئي يفاقم المشكلة
إلى جانب المشاكل الصحية، يُتهم إنتاج الدلاح في المغرب بأنه يستنزف الموارد المائية بشكل خطير، خاصة في المناطق التي تعاني من الجفاف ونُدرة المياه مثل زاكورة، الرشيدية، وسوس.
ويقول ناشطون بيئيون إن الفاكهة التي يُفترض أن تكون رمزًا للانتعاش الصيفي، تحولت إلى عبء بيئي وصحي مزدوج:
بيئيًا: بسبب استنزاف المياه الجوفية،
صحيًا: بسبب الإفراط في استخدام الأسمدة والكيماويات.
أزمة ثقة متزايدة بين المستهلكين والمنتجين
المخاوف من تسممات "الدلاح" ليست جديدة، لكنها أصبحت تتكرر كل صيف تقريبًا، ما جعل ثقة المستهلك المغربي تهتز في هذه الفاكهة، رغم شعبيتها الكبيرة.
في الأسواق، أصبح عدد كبير من المواطنين يترددون في شراء الدلاح أو يبحثون عن مصادر موثوقة فقط. كما أطلق نشطاء على مواقع التواصل هاشتاغات مثل #قاطعوا_الدلاح و#الصحة_أولاً، احتجاجًا على تكرار هذه الحوادث دون تدخل صارم من الجهات المختصة.
أين تقف المسؤولية؟ مطالب بمحاسبة المتورطين وتعزيز الرقابة
في ظل غياب توضيحات رسمية دقيقة، ترتفع الأصوات الحقوقية والبيئية مطالبة بـ:
فتح تحقيق وطني في تسممات الدلاح.
تشديد الرقابة على المواد المستعملة في الزراعة.
فرض نظام تتبع على المنتجات الزراعية من الحقل إلى السوق.
نشر أسماء التعاونيات والضيعات المتورطة إن ثبت تورطها.
كما طالب فاعلون مدنيون بـ"خروج منطق الربح السريع من معادلة الغذاء"، ودعوا إلى إصلاح شامل لمنظومة الإنتاج الفلاحي يكون فيه المستهلك في قلب السياسات، لا ضحية لها.
الدلاح..من رمز صيفي إلى مصدر خطر محتمل
ما كان يُفترض أن يكون رمزًا للانتعاش والفرح في صيف المغاربة، أصبح اليوم مرادفًا للقلق والتوجس والخوف.
وبين الإنتاج غير المراقب، والتوزيع العشوائي، وانعدام الشفافية، يظل المستهلك المغربي الحلقة الأضعف في سلسلة طويلة من الإهمال والإفلات من العقاب.
ويبقى السؤال مفتوحًا: إلى متى سيبقى الأمن الغذائي في المغرب رهين السوق؟ ومتى ستُوضع صحة المواطن فوق الحسابات الفلاحية والتجارية؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك