أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
كشفت دراسة علمية حديثة، نشرت في المجلة العلمية المرموقة Nature Geoscience، عن نتائج صادمة قد تغيّر النظرة الجغرافية لإفريقيا خلال ملايين السنين القادمة.
الدراسة تؤكد أن القارة الإفريقية بدأت بالفعل في الانقسام إلى كتلتين قاريتين منفصلتين، بفعل نشاط تكتوني عميق تحت منطقة "عفر" في شمال شرق إثيوبيا.
هذه الظاهرة الجيولوجية المذهلة قد تقود إلى ولادة محيط جديد في صميم القارة الإفريقية، ما سيعيد رسم خرائط العالم في المستقبل الجيولوجي البعيد.
منطقة "عفر": مهد الانقسام القاري
تشكل منطقة "عفر" الإثيوبية موقعًا استثنائيًا في العالم الجيولوجي، حيث تلتقي ثلاث صفائح تكتونية رئيسية: الصفيحة الإفريقية، والصفيحة العربية، والصفيحة الصومالية. وفقًا للفريق الدولي الذي قاد البحث، فإن هذه المنطقة تشهد منذ آلاف السنين عمليات تمزق مستمرة في القشرة الأرضية ناتجة عن الشد التكتوني بين هذه الصفائح، مما يؤدي إلى تشققات هائلة وتمدد تدريجي للطبقات الجيولوجية السفلى. هذه التشققات تنمو بمرور الوقت، وتُمثّل ما يشبه "ندوبًا" تمهّد لانفصال فعلي قد يغير وجه القارة إلى الأبد.
ظاهرة تشبه تشكّل المحيط الأطلسي
يقول الباحثون إن ما يحدث حاليًا في عفر يشبه تمامًا المراحل المبكرة التي أدت إلى تشكل المحيط الأطلسي قبل أكثر من 100 مليون سنة، عندما انفصلت أمريكا الجنوبية عن إفريقيا. وتمثل هذه الظاهرة جزءًا من الديناميكيات الطبيعية لكوكب الأرض، حيث تتغير مواقع القارات والبحار بفعل التحركات البطيئة للصفائح التكتونية. وإذا استمر هذا النشاط بنفس الوتيرة، فإن شرق إفريقيا قد ينفصل بالكامل عن القارة الأم خلال ما يُقدَّر بـ5 إلى 10 ملايين سنة، لتتشكل بينهما مياه محيط جديد.
مؤشرات علمية دقيقة
الدراسة استندت إلى بيانات تم جمعها عبر الأقمار الصناعية والمجسات الأرضية العميقة، بالإضافة إلى صور من الطائرات بدون طيار وتحاليل زلزالية دقيقة. وقد أكدت هذه الوسائل وجود تشققات أرضية كبيرة في المنطقة، بعضها يتسع بمعدل 7 ملم في السنة. كما أظهرت القياسات الزلزالية وجود جيوب من الحمم البركانية تنشط على عمق كبير، ما يعزز فرضية التشققات العمودية في القشرة الأرضية، والتي تُعد مؤشرًا على بداية الانفصال.
التأثيرات المستقبلية المحتملة
رغم أن هذا الانقسام القاري لن يُلاحظ إلا بعد ملايين السنين، إلا أن له آثارًا مستقبلية عميقة على الجغرافيا، المناخ، والموارد الطبيعية. فمن المتوقع أن يغيّر ظهور المحيط الجديد أنماط التيارات البحرية العالمية، وقد يؤثر في توزيع الأمطار ودرجات الحرارة عبر إفريقيا والشرق الأوسط. كما سيُعيد تشكيل الحدود الجغرافية، وقد يجعل من مناطق كانت داخلية في قلب إفريقيا، مناطق ساحلية مستقبلية.
وجهات نظر علمية متباينة
ورغم الاتفاق العام بين الجيولوجيين حول ظاهرة الانقسام، فإن بعض العلماء يبدون حذرًا في الجزم بسرعة العملية. فهم يشيرون إلى أن العمليات الجيولوجية بطبيعتها بطيئة للغاية وقد تتعرض لتغيّرات مفاجئة نتيجة عوامل باطنية أو سطحية، مثل النشاط البركاني أو تغير المناخ. ومع ذلك، فإن التوجه العام في المجتمع العلمي يُجمع على أن المنطقة تشهد مرحلة من التطور الجيولوجي النشط الذي قد يؤسس لفصل قاري طويل الأمد.
المغرب والمنطقة العربية: هل هناك تأثيرات؟
على الرغم من أن النشاط التكتوني يجري في قلب شرق إفريقيا، فإن آثار هذه الظاهرة قد تكون بعيدة المدى. إذ أن أي تغيّر في توزيع الصفائح التكتونية أو في ظهور محيطات جديدة قد يؤثر على توازن القوى الجيولوجية المحيطة، وقد يؤدي إلى نشاط زلزالي غير مباشر أو تغيّرات مناخية تؤثر على شمال إفريقيا، من ضمنها المغرب والمنطقة العربية.
الأرض تتغير أمام أعيننا
تؤكد هذه الدراسة أن كوكب الأرض حيّ ويتغير باستمرار، وأن الخريطة التي نعرفها اليوم ليست إلا لحظة عابرة في تاريخ طويل من التحولات الجيولوجية الكبرى. وبينما يظل هذا التغيير خارج نطاق زمني قابل للملاحظة في حياتنا، فإن العلم يقدّم لنا لمحة من المستقبل البعيد الذي قد يشهد قارة إفريقية جديدة، مفصولة بمحيط ناشئ من رحم الأرض، ليذكّرنا بأن استقرار الجغرافيا ليس إلا وهمًا زمنيًا في رحلة الكوكب المستمرة نحو التغيّر.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك