وهبي يرفع راية الاعتذار في طنجة والمواجهة مع المحامين تضع أوزارها أم تُعيد ترتيب قواعد اللعبة؟

وهبي يرفع راية الاعتذار في طنجة والمواجهة مع المحامين تضع أوزارها أم تُعيد ترتيب قواعد اللعبة؟
تقارير / الجمعة 16 مايو 2025 - 12:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت

بعد شهور من الاحتقان والتصعيد، اختار وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، منصة مؤتمر المحامين بطنجة يوم أمس الخميس 15 ماي 2025، ليكسر جدار التوتر ويبعث برسائل تهدئة طال انتظارها.

ففي مشهد لافت أمام حشد من أصحاب البذلة السوداء، قدّم الوزير اعتذارا صريحا، في خطوة تحمل أكثر من دلالة سياسية ومهنية، وتعكس رغبة واضحة في طي صفحة خلافات حادة طبعت علاقة الطرفين على خلفية مشروع قانون مهنة المحاماة.

"إذا أخطأت في حقكم يوما، فأنا أعتذر"، هكذا خاطب وهبي المحامين بنبرة وجدانية، قبل أن يضيف: "كل المواجهات التي وقعت وستقع في المستقبل لن ولم تنل مني، لسبب بسيط، هو أنني منكم ومن عائلتكم. المسؤولية والسياسة مرحلة، والمحامي ديمومة".

قانون المهنة..شرارة الخلاف

التوتر بين الوزير وهيئات المحامين بلغ ذروته خلال مناقشة مضامين مشروع قانون مهنة المحاماة، الذي اعتُبر من قبل المحامين "انتكاسة حقوقية ومهنية"، إذ واجهوه بموجة احتجاجات عارمة وإضرابات وطنية، متهمين الحكومة بتغييب المقاربة التشاركية ومحاولة فرض أمر واقع يخدم مصالح سياسية ضيقة على حساب استقلالية المهنة وكرامة المنتسبين إليها.

ورغم تنظيم جلسات حوار، إلا أن الخلافات بقيت قائمة، حيث تمسّك المحامون برفضهم للعديد من بنود المشروع، خاصة ما يتعلق بشروط الولوج إلى المهنة، والرقابة المفروضة على الهيئات، وغيرها من المقتضيات التي رأوا فيها تقليصا من استقلاليتهم وتعسّفا غير مبرر.

اعتذار سياسي بطعم المحاسبة

خطاب وهبي الأخير، الذي اختلط فيه العتاب بالاعتذار، قوبل بترحيب حذر من قبل بعض المحامين، الذين رأوا في كلامه اعترافا غير مباشر بالخطأ وسعيا للتهدئة. غير أن أطرا أخرى طالبت الوزير بأن يقرن اعتذاره بالفعل السياسي، عبر سحب مشروع القانون الحالي وفتح حوار جدي ومسؤول يفضي إلى توافق فعلي يحترم خصوصية المهنة ويعزز استقلاليتها.

كما اعتُبر خطاب الوزير، من قبل متتبعين، تحولا تكتيكيا فرضته الضغوط السياسية والحقوقية، فضلا عن التحديات التي تواجهه على رأس وزارة العدل، خصوصا بعد تراجع شعبيته في الأوساط المهنية والحقوقية، وارتفاع الأصوات الداعية إلى مساءلته عن الأداء التشريعي والسياسي للوزارة.

المحاماة على مفترق طرق

الوزير نفسه أقر خلال مداخلته بأن المهنة تقف أمام تحديات "كبيرة جدا"، دون أن يحددها بدقة، لكن الواضح أن الحديث عن إصلاح المهنة لم يعد يحتمل مزيدا من التوترات أو السياسات الفردية، بقدر ما يتطلب شجاعة تشاركية تعيد رسم معالم علاقة صحية بين الوزارة والهيئات المهنية.

المحامون، من جهتهم، أكدوا في أكثر من محطة أن استقلالية المهنة خط أحمر، وأن أي إصلاح لا يمكن أن يُفرض من فوق، بل يجب أن ينبع من الأرضية الصلبة للحوار والاحترام المتبادل، مع ضرورة الحفاظ على المكتسبات التاريخية وضمان تطور المهنة وفق ما يقتضيه العصر دون المساس بجوهرها الحقوقي والدستوري.

ما بعد طنجة.. هل تتغير قواعد اللعبة؟

خطاب طنجة فتح الباب مجددا أمام إمكانية طي صفحة التوتر، لكنه لا يكفي وحده لإعادة بناء الثقة المهدورة بين الوزير وأصحاب البذلة السوداء. المطلوب الآن، وفق مراقبين، هو ترجمة الاعتذار إلى مبادرات واقعية: تعديل النصوص المثيرة للجدل، تنظيم حوارات جهوية ومركزية موسعة، واحترام رأي الهيئات في رسم مستقبل المهنة.

وبين من يراها "صحوة ضمير سياسي" ومن يعتبرها "مناورة ظرفية"، يظل ما جرى في طنجة حدثا مفصليا قد يرسم ملامح المرحلة القادمة في علاقة السلطة التنفيذية بالمهن القضائية، في وقت تتزايد فيه المطالب بإصلاح شامل للعدالة يكون المحامي أحد ركائزه وليس خصما فيها.

المحاماة ليست مجرد مهنة، بل صمام أمان لدولة القانون، وأي مس بها هو مسّ بجوهر العدالة نفسها. هل استوعب وهبي هذا الدرس متأخرا؟ الأيام القادمة ستكشف إن كان خطاب طنجة نقطة نهاية لأزمة أم مجرد هدنة مؤقتة في انتظار جولة جديدة من الشد والجذب.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك