أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
بينما انهارت أسعار النفط في الأسواق الدولية إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات، ظل المواطن المغربي يراقب المشهد بلا أي أثر على محفظته.
فالتراجع العالمي لم يترجم إلى انخفاض محلي، في صورة باتت لدى الرأي العام دليلاً صارخاً على أن المستهلك خارج كل الحسابات، وأن الأسعار لم تعد مرتبطة بالكلفة بقدر ما صارت قراراً سياسياً مقنّعاً بخطاب تقني.
تحرير بلا تنافس وسوق مفصّل على المقاس
عندما جرى رفع الدعم وتحرير أسعار المحروقات، قُدّم القرار كإصلاح عقلاني يفتح الباب أمام المنافسة ويخفف الضغط عن المالية العمومية.
غير أن ما حدث عملياً هو العكس تماماً، سوق مغلقة تتحكم فيها قلة قليلة، وهوامش ربح ثابتة لا تتأثر لا بالارتفاعات ولا بالانخفاضات الدولية، والنتيجة كانت واضحة، أرباح محمية، ومستهلك أعزل.
تضارب المصالح في قمة القرار
في قلب هذا الجدل، تجد الحكومة نفسها في موقع محرج، خاصة أن رئيسها يُعد من أبرز الأسماء المرتبطة تاريخياً بقطاع المحروقات.
هذا المعطى حوّل كل قرار أو صمت رسمي إلى مادة تشكيك واسعة، وعمّق الإحساس بأن الدولة لم تعد حكَماً محايداً، بل مظلة سياسية واقية للوبيات الطاقة.
مجلس المنافسة:سلطة بلا أسنان
الآمال التي عُلّقت على مجلس المنافسة اصطدمت بواقع مختلف، فالتقارير الرسمية أكدت وجود اختلالات وممارسات تحد من المنافسة، لكنها انتهت بتفاهمات مالية لم تمس جوهر السوق، ولم تُجبر الشركات على تمرير انخفاض الأسعار إلى المواطنين.
وهكذا، بدا المجلس المذكور عاجزاً عن كسر منطق الريع في قطاع حيوي يمس كل تفاصيل الحياة اليومية.
حكومة تتدخل عند الزيادة وتختفي عند الانخفاض
المفارقة الصارخة أن الدولة تتحرك بسرعة البرق عندما ترتفع الأسعار عالمياً، وتترك الشركات ترفع الأثمنة بلا تردد، لكنها تتوارى حين تنخفض الكلفة الدولية.
هذا السلوك الانتقائي عزز الإحساس بأن “تحرير السوق” لم يكن سوى اتجاه واحد، صعود دائم للأسعار، وانعدام كامل لآليات الحماية.
سخرية سياسية بلبوس اقتصادي
رفض التسقيف المؤقت، وتجاهل فرض الشفافية في تركيبة الأسعار، والامتناع عن فتح نقاش جدي حول نموذج التحرير، كلها مؤشرات على أن الحكومة اختارت الاصطفاف مع الأقوى.
وبذلك تحولت “حرية السوق”، إلى أداة لسحق القدرة الشرائية، لا إلى آلية لتحقيق التوازن، على حسب هوى اللوبيات المتحكمة.
من المسؤول؟
اليوم، لم يعد السؤال لماذا لم تنخفض أسعار المحروقات، بل لماذا تصر الدولة على ترك الوضع كما هو؟ ولماذا تُدار واحدة من أخطر الملفات الاجتماعية بمنطق سياسي يخدم قلة ويستهين بالأغلبية
فماداما، هذا المنطق سائداً، ستظل أسعار المحروقات عنواناً بارزاً لسخرية السلطة من المستهلك المغربي، واختزال العدالة الاقتصادية في مجرد شعارات فارغة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك