بقلم:حسن المولوع
لم يكن تصريح عبد الله البقالي مجرد فكرة طارئة أو رأي عابر. فالرجل قال بوضوح إن صحافية مغربية اتصلت به للتوسط لصحافي إسرائيلي يرغب في الحديث معه..واقعة كهذه ليست تفصيلا بسيطا، لأنها تكشف عن خيط أول لحكاية غامضة قد تكون أكبر بكثير مما يظهر على السطح.. فطريقة التواصل مع البقالي واضحة ومعروفة، ولا تحتاج لأي وسيط، خاصة وأن رقمه ليس سرا ويستطيع أي صحافي الوصول إليه بسهولة.. ومع ذلك، اختار الصحافي الإسرائيلي هذه السيدة تحديدا، رغم وجود عشرات القنوات المهنية المتاحة.. من هنا يبدأ السؤال الحقيقي: لماذا هي بالذات؟ وما الذي يجعلها قناة اتصال غير رسمية لصحافي من دولة يعتبرها المغاربة ضمن الدول ذات الحساسية العالية؟
عند العودة إلى سجل هذه الصحافية، نجد أنها سبق أن زارت إسرائيل ضمن وفد أثار في حينه جدلا واسعا، ودفع النقابة الوطنية للصحافة المغربية إلى إصدار بلاغ رسمي تبرأت فيه من الزيارة وأكدت رفضها القاطع لأي شكل من أشكال التطبيع الإعلامي. فهذه الزيارة، حين تُربط بواقعة “التوسط”، تجعل الصورة أكثر ضبابية وتطرح أسئلة لا يمكن تجاهلها.
لكن الخيط الأخطر هو نشاطها الإلكتروني خلال السنوات الأخيرة، حيث دأبت على نشر مواد عدائية ضد الصحافي حميد المهداوي ، تحمل قدرا كبيرا من الشراسة والسب والقذف. ليس الأمر مجرد انتقاد مهني بل حملة تشهير ممنهجة ومتكررة، تتقاطع فيها الخطابات وتتطابق السرديات مع مجموعة من الحسابات والأشخاص الذين يهاجمون المهداوي بنفس الأسلوب وبنفس اللغة، وكأننا أمام شبكة تتحرك وفق أجندة واحدة. فالمهداوي نفسه سبق أن صرّح أنه مستهدف من جهات إسرائيلية وطالب رسميا بالحماية، ما يمنح هذه المعطيات كلها وزنا إضافيا لا يمكن إغفاله.
الأغرب أن هذه الصحافية موضوع شكايات متعددة لدى المحكمة الابتدائية الزجرية بعين السبع بالدار البيضاء، تتعلق بالتشهير وترويج الأخبار الكاذبة والسب والقذف، لكن هذه الشكايات لا يُتعامل معها بالجدية المطلوبة، وكأن هناك مظلة غير مرئية تضمن لها الإفلات من أي متابعة، أو على الأقل ترحيل الملفات إلى الرفوف دون تفسير.
وإذا كان نشاطها العلني يوحي بقدر كبير من الفوضى، فإن هاتفها المحمول قد يحمل ما هو أخطر. ففي مثل هذه القضايا، الهاتف ليس وسيلة تواصل فقط، بل صندوق أسرار حقيقي يمكنه أن يكشف طبيعة الاتصالات، الجهات التي تتواصل معها، نوعية الرسائل التي تتبادلها، وما إذا كانت هناك قنوات اتصال مع جهات أجنبية. ولهذا يصبح إخضاع هاتفها للخبرة التقنية من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ضرورة حقيقية وليس مجرد احتمال، لأن كل المؤشرات المتوفرة تجعل من التحقيق في هذا الجانب مسألة دقيقة ومصيرية.
الأمر لا يقف عند المهداوي فقط، فالبقالي نفسه صرّح في البودكاست أنه تم استهدافه بعد الفيديو الأول. وعندما يجتمع استهداف صحافيين اثنين، وكلاهما سبق أن اتخذ مواقف قوية داخل قطاع الصحافة، مع وجود صحافية تتوسط لصحافي إسرائيلي، وتشن حملات إلكترونية متشابهة السرديات، وتزور إسرائيل، وتُعلق الشكايات ضدها في المحاكم، فنحن أمام لوحة متكاملة تفرض قراءة واحدة: هناك اختراق محتمل داخل قطاع حساس، وربما خيوط مرتبطة بجهات خارجية تتحرك عبر أدوات محلية دون أن تشعر هي نفسها بخطورة الدور الذي تؤديه.
لذلك، فإن فتح تحقيق شامل من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية لم يعد مجرد مطلب، بل ضرورة تتعلق بالأمن المهني وقد تمس الأمن الوطني نفسه. فالتحقيق يجب أن يشمل اتصالات هذه السيدة، مصادر تمويلها، الأشخاص الذين يشتغلون معها، خلفيات حملتها ضد المهداوي، أسباب استهدافها لمجموعة من الصحافيين والحقوقيين ، ظروف تواصلها مع الصحافي الإسرائيلي، والأهم: لماذا لا تتحرك الشكايات القضائية ضدها؟
تجميع هذه العناصر يبين أننا لا نواجه مجرد “تدوينات طائشة”، بل احتمالية شبكة، أو اختراق، أو تجنيد غير معلن، وكل ذلك يستدعي تدخلا عاجلا، مسؤولا، وشاملا ..
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك