قانون مالية 2026 يُمرَّر في 6 دقائق وبرلمان بلا نواب وديمقراطية على الورق

قانون مالية 2026 يُمرَّر في 6 دقائق وبرلمان بلا نواب وديمقراطية على الورق
سياسة / الجمعة 05 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

في مشهد سياسي صادم يؤكد عمق الأزمة الديمقراطية في المغرب، صادق مجلس النواب صبيحة الجمعة 5 دجنبر الجاري على قانون مالية 2026 في جلسة لم تتجاوز ست دقائق، حيث وُصفت(الجلسة) بأنها “الأسرع في تاريخ التشريع”، والأكثر تعبيراً عن برلمان غائب وإرادة سياسية تجرّ المؤسسات نحو الفراغ.

الفضيحة لا تتوقف عند السرعة القياسية للجلسة، بل تمتد إلى غياب 73 في المائة من النواب، أي أن ثلاثة أرباع المؤسسة التشريعية فضّلوا عدم الحضور، تاركين أهم قانون سنوي في الدولة يمرّ بأقل قدر من النقاش، ودون أي محاسبة أو رقابة، وهو ما يطرح سؤالاً خطيراً: من يمثّل المغاربة فعلاً؟

فتمرير قانون بهذه الحساسية، في ظرف زمني هزيل، وبحضور رمزي، يكشف تحوّل البرلمان إلى مجرد غرفة تسجيل، يُصادق ولا يناقش، يمرّر ولا يعترض، ويعمل وفق إيقاع السلطة التنفيذية لا وفق ما يفرضه الدستور من رقابة وتشريع.

هذا السلوك يعكس انهياراً تدريجياً لوظيفة المؤسسة البرلمانية، ويؤشر على تآكل الشرعية السياسية لمن يُفترض أنهم صوت الشعب.

أما سياسياً، فهذا المشهد يحمل دلالات خطيرة؛ فمن جهة، يُظهر حجم اللامسؤولية المزمنة داخل الطبقة السياسية التي فقدت كل ارتباط فعلي بقضايا المواطنين، ومن جهة أخرى يكشف استهتاراً حكومياً يمرّر الميزانيات دون خوف من النقاش أو المعارضة أو حتى مجرد ظهار للنواب.

وبذلك تتحول العملية التشريعية إلى طقس شكلي، تُفرض نتائجه على المغاربة دون أي نقاش عمومي أو محاسبة.

تبعات هذا السلوك ستكون ثقيلة، وستؤدي إلى مزيد من العزوف الانتخابي، انهيار الثقة في المؤسسات، وشرعنة فكرة أن القرار السياسي لا يصنعه البرلمان وإنما يصنعه “المخزن الاقتصادي والسياسي” الذي يدير اللعبة من خلف الستار.

وبتمرير قانون مالية سريع ومفرغ من النقاش، تُكرّس الدولة نموذجاً سياسياً يضعف فيه البرلمان ويتوسع نفوذ دوائر القرار غير المنتخبة.

إن جلسة الست دقائق ليست حادثاً عابراً، بل هي تجسيد شامل لوضع سياسي يختفي فيه النقاش، تتراجع فيه الأدوار المؤسساتية، وتُفرّغ فيه الديمقراطية من محتواها، ليُترَك المواطن أمام واقع تتحكم فيه أقلية اقتصادية وسياسية لا تحضر الجلسات، لكنها تتحكم في القرارات.

هذا هو الوجه الحقيقي للأزمة، التي تعيشها المملكة، ديمقراطية تُدار بالغياب، وقوانين تُمرّر بالصمت، وبرلمان بلا برلمانيين.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك