أنتلجنسيا المغرب: أبو دعاء
في خطوة تحمل دلالات استراتيجية قوية،
أكد محمد عبد النباوي، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى
للسلطة القضائية، أن المغرب حسم موقفه وجعل من مكافحة الجريمة المنظمة أولوية قصوى
ضمن أجندته الأمنية والقضائية.
جاء ذلك خلال افتتاح ندوة دولية
بالرباط، نظمت بشراكة مغربية فرنسية، خُصصت لموضوع الجريمة المنظمة العابرة
للحدود، وهو الملف الذي بات يؤرق الدول في زمن تتسارع فيه التحولات التكنولوجية
وشبكات الإجرام العابرة للقارات.
عبد النباوي شدد على أن المملكة لا
تكتفي بمجرد الشعارات، بل تبنت سياسات ملموسة تتأسس على أربعة أعمدة رئيسية:
الوقاية، التجريم، الردع، والتعاون الدولي. وهي رؤية متكاملة تترجمها خطوات
واقعية، عبر تأهيل الموارد البشرية القضائية، وتطوير التكوين، وتوسيع دائرة
التخصصات القضائية ذات الصلة بالجرائم المركبة. المغرب، كما أكد المتحدث، يسير
بخطى حثيثة نحو بناء سلطة قضائية قادرة على التصدي بفعالية لأخطر الجرائم العابرة
للحدود.
وفي إشارة إلى البعد الإقليمي
والدولي، أوضح عبد النباوي أن مكافحة الجريمة المنظمة لم تعد شأنا محليًا، بل قضية
عالمية تتطلب تنسيقًا متينًا بين شمال وجنوب المتوسط. تنظيم هذه الندوة، بحضور
ممثلي دول إفريقية عديدة، يندرج في هذا الإطار، ويجسد وعي المغرب بأن هذه المعركة
لا تُكسب إلا بجبهة موحدة وتبادل دائم للمعلومات والخبرات. فمواجهة شبكات تهريب
البشر والمخدرات والأسلحة تتطلب آليات عابرة للسيادة، تعتمد على التعاون أكثر من
الحدود.
ومن منطلق الأرقام والدلالات
الواقعية، كشف عبد النباوي أن أزيد من ستين بالمائة من الجرائم المتعلقة بالاتجار
غير المشروع أصبحت تُنفذ عبر الفضاء الرقمي أو بتواطؤ مع المنصات الإلكترونية،
محذرًا من أن إفريقيا، وبخاصة منطقة الساحل والصحراء، باتت أكثر عرضة لهذه الآفة.
عوامل هشاشة المؤسسات وغياب الرقابة المتقدمة في بعض الدول، جعلها أرضًا خصبة
لشبكات إجرامية تُتاجر بالبشر وتُشعل الحروب وتنهب الثروات دون رادع.
في ختام كلمته، دعا عبد النباوي إلى
تسريع وتيرة التعاون الإقليمي والدولي، من خلال إقامة شبكات أمنية وقضائية فعالة،
قادرة على تقاسم المعطيات في الوقت المناسب، وتعزيز المراقبة الاستباقية للجرائم.
فالجريمة المنظمة، كما قال، لا تنتظر، ونجاح المواجهة لا يقاس بالقوانين فقط، بل
بمدى جهوزية الدول للدخول في معركة معلوماتية وأمنية وقضائية عابرة للحدود، يكون
فيها التنسيق والابتكار سلاحًا لا يقل قوة عن السلاح التقليدي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك