أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
منذ تشكيلها في خريف 2021، تواجه حكومة عزيز أخنوش اتهامات متزايدة من قِبَل المعارضة والمجتمع المدني بشأن هيمنتها على التشريع وتضييقها على صوت البرلمان والأحزاب المعارضة. هذه الاتهامات، أثارت تساؤلات حول واقع المشهد السياسي المغربي، ومدى التزام الحكومة بالممارسات الديمقراطية التي يقرّها الدستور المغربي.
تشريع مُغلق ومبادرات محدودة للبرلمان
في ظل حكومة يقودها رجل أعمال بارز وصاحب إمبراطورية اقتصادية ضخمة، ظهر واضحًا أن المبادرات التشريعية البرلمانية تعيش أزمة حقيقية. فقد لوحظ أن جلّ النصوص القانونية التي تُطرح للنقاش تأتي كمبادرات حكومية، بينما تظل مقترحات القوانين التي تتقدم بها المعارضة حبيسة الأدراج، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة القوانين المصادق عليها بمبادرة من البرلمان لم تتجاوز 5% خلال السنتين الأوليين من ولاية الحكومة الحالية.
هذا الوضع أثار استياءً واسعًا بين النواب، حيث وصف البعض البرلمان بـ"آلة المصادقة الصامتة"، مشيرين إلى أن الدور الرقابي والتشريعي الذي يُفترض أن يمارسه قد تم تقليصه بشكل كبير، ما يعكس ميل الحكومة إلى التحكم الكامل في أجندة التشريع.
معارضة "مُكممة" وسط خطاب سياسي مُتراجع
المعارضة بدورها، خصوصًا داخل البرلمان، تواجه صعوبات كبيرة في إسماع صوتها. فوفقًا لتقارير غير رسمية، أُجهضت العديد من مبادراتها، إما من خلال رفضها من طرف الأغلبية أو تأخير مناقشتها في اللجان التشريعية. وكمثال على ذلك، تم تأجيل النظر في مقترحات قوانين مهمة مثل قوانين تتعلق بحماية القدرة الشرائية للمغاربة أو تشريعات تهم مكافحة الاحتكار.
وعلى الرغم من محاولات بعض الأحزاب المعارضة، مثل حزب العدالة والتنمية وفيدرالية اليسار، لاستعادة زمام المبادرة السياسية، إلا أن الجهود ظلت محدودة التأثير، بفعل ما تصفه هذه الأطراف بأنه "ضغط متزايد من الأغلبية الحاكمة".
حكومة الأغلبية الساحقة:نعمة أم نقمة؟
التوازن السياسي الذي عاشه المغرب في حكومات سابقة يبدو غائبًا هذه المرة، خاصة وأن الحكومة الحالية تتمتع بأغلبية ساحقة في البرلمان، تجعلها قادرة على تمرير أي مشروع قانون دون الحاجة إلى تفاوض مع المعارضة. هذه الأغلبية، التي وُصفت بـ"المريحة"، تُعتبر سلاحًا ذا حدين، حيث تُتيح للحكومة تنفيذ برامجها دون عراقيل، لكنها في الوقت نفسه تُضعف جوهر الديمقراطية المبني على النقاش وتوازن القوى.
بعض المحللين السياسيين يرون أن هذه الديناميكية تقوّض مبدأ الفصل بين السلطات، حيث تُمارس السلطة التنفيذية نفوذًا كبيرًا على السلطة التشريعية، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الثقة في المؤسسات الديمقراطية.
التضييق على النقاش العام
لم يقتصر الأمر على البرلمان فقط، بل طال النقاش السياسي العام في وسائل الإعلام والمنابر العمومية. فقد اشتكى العديد من النشطاء السياسيين والحقوقيين من غياب مساحات للنقاش الحر حول سياسات الحكومة، مشيرين إلى أن هناك ميلًا لتقييد الأصوات الناقدة، سواء من خلال القوانين أو وسائل الضغط غير المباشرة.
وفي السياق نفسه، أشار تقرير صادر عن إحدى المنظمات الحقوقية إلى أن النقاش حول قضايا حساسة مثل ارتفاع الأسعار، والتفاوت الاجتماعي، وسياسات دعم المواد الأساسية، أصبح محصورًا في دوائر مغلقة، مع غياب حقيقي لمناظرات سياسية تفتح المجال لآراء متباينة.
الاقتصاد أولًا.. على حساب الديمقراطية؟
منذ تولي أخنوش رئاسة الحكومة، كانت الأولوية واضحة: التركيز على الإصلاحات الاقتصادية الكبرى، مثل تعزيز الاستثمار الأجنبي وإصلاح نظام الحماية الاجتماعية. ومع ذلك، فإن هذا التركيز على الاقتصاد يأتي، بحسب منتقدين، على حساب تعزيز الديمقراطية والحقوق السياسية.
ويؤكد هؤلاء أن الحكومة استغلت الأوضاع الاقتصادية الصعبة وانشغال المواطنين بالغلاء لتكريس هيمنتها السياسية، عبر تسريع وتيرة إصدار القوانين الاقتصادية دون فتح نقاش موسع حول آثارها الاجتماعية والاقتصادية.
أسئلة حول المستقبل
التساؤلات حول دور البرلمان ومستقبل المعارضة في المغرب لا تتوقف عند هذا الحد. فهل ستنجح المعارضة في فرض أجندتها على الساحة السياسية رغم الهيمنة الحكومية؟ وهل سيستمر البرلمان في لعب دور محدود، أم أن هناك بوادر لتغيير هذا الواقع مع اقتراب الانتخابات المقبلة؟
في الوقت نفسه، يبقى الرهان على وعي الشارع المغربي، الذي بات أكثر قدرة على التعبير عن تطلعاته، سواء من خلال وسائل الإعلام أو عبر الحركات الاجتماعية. فالتاريخ أثبت أن الديمقراطية ليست مجرد مؤسسات، بل أيضًا إرادة شعبية قادرة على فرض التغيير.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك