بقلم : د . محمد أحدو
يأتي
الاحتفاء بـ اليوم العالمي للفلسفة في الخميس الثالث من شهر نوفمبر كل عام، بإيعاز
من منظمة اليونسكوUNESCO، ليُعيد
التأكيد على قيمة التفلسف كفعل إنساني أساسي. لم تكن هذه المناسبة مجرد احتفال
أكاديمي؛ بل نشأت الفكرة من إيمان اليونسكو العميق بأن الفلسفة تشكل أساسًا
للتفكير النقدي والتسامح والسلام، وأنها ضرورية لتوجيه المجتمعات نحو مستقبل
مستدام. ولهذا، فإن الغاية الأساسية من هذا اليوم هي تجديد الالتزام العالمي
بتعليم الفلسفة وممارستها، وتشجيع الناس على التفكير النقدي في القضايا التي
تواجههم.
ونحن نشير
الى الاحتفاء بهذا اليوم، تبدو الحاجة إلى
الفلسفة اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى في مسار تطور الوقائع الإنسانية. إن
التحديات التي تواجه العالم تتعاظم وتزداد تعقيداً، وهي قضايا تتناولها الفلسفة
المعاصرة وتحتاج إلى أدواتها التحليلية.
ففي عصر
الثورة التكنولوجية، يُنبه التفكير الفلسفي إلى مخاطر وتحديات وجودية تواجه
الإنسان والمعرفة البشرية. وتبرز هنا إشكاليات الذكاء الاصطناعي، التي تطرح
تساؤلات جذرية حول ماهية الوعي والحرية والمسؤولية الأخلاقية في أنظمة اتخاذ
القرار الآلي، مما يستلزم تأسيس إطار أخلاقي يوجه هذه التقنيات بدلاً من تركها
تتطور في فراغ قيمي.
وإلى جانب
تحديات التقنية، تتشابك الإشكاليات البيئية والاجتماعية بشكل غير مسبوق. حيث تدعو
الفلسفة اليوم إلى تحول جذري في أخلاقنا البيئية لمواجهة تغير المناخ، وتطالب
بإعادة النظر في مفهوم العدالة الكونية في ظل تزايد عدم المساواة والهجرة. كما
تُواجه الفلسفة أيضاً تحدياً معرفياً في ظل هيمنة العلوم التجريبية، حيث تُذكّرنا
بضرورة الرؤية الشمولية ورفض تفتيت المعرفة، وتُقدم الأداة الأهم: التفكير النقدي
الجذري .
إن هذا الفعل النقدي هو وحده القادر على تحصين العقل البشري ضد التضليل والسلطة المُطلقة للمعلومة، مما يحول دون أن نصبح مجرد مستهلكين للتقنية والحقيقة. بالتالي، فإن الفلسفة اليوم لا تقف على الهامش، بل هي في قلب المعركة الإنسانية لتوجيه التطور التكنولوجي والاجتماعي نحو غايات تخدم كرامة الإنسان وتُعزز السلام والتسامح، وهو ما سعت إليه اليونسكو منذ البداية من وراء تخصيص يوم عالمي لها.
فالفلسفة، عبر
تاريخها، مسار وحضور ثابت في مجابهة الإشكالات الإنسانية الكبرى قديماً وحديثاً.
ولذلك، فإن إشاعة حب الحكمة اليوم هي ضرورة وجودية؛ تقود العقل البشري، من خلال
الفكر النقدي، نحو بناء عالمٍ يتسم بالعدالة، والسلام، والاستدامة، في ظل مستقبلٍ
يزداد غموضاً.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك