أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
حين
وطئت قدما العامل "إدريس الروبيو" تراب إقليم سيدي سليمان، استبشرنا
خيرًا، وظننا أن صفحة جديدة قد تُفتح، وأن الفساد الذي نخر مفاصل الإدارة المحلية
بالإقليم لعقود، قد وجد أمامه من يحمل معول الهدم لتمثال مزيف، كانت الوجوه
متفائلة، والأنفاس مفعمة بالأمل، لكن شيئًا ما لم يحدث، أو بالأحرى، حدث عكسه
تمامًا.
في البداية، قدم العامل الجديد نفسه كرجل
صارم، لا يجامل، يحمل منجلًا يجز به كل ما هو شاذ وفطري وعشب وغير قانوني في ضيعة
الغرب ليقطعه..، رجل يتصرف كـ"قناص" يعرف مكامن الخلل ويحسن تصويب
نيرانه الإدارية بدقة لا تخيب، لكنه سرعان ما ذاب في المشهد الجليدي مع حرارة
الاحداث، وتحول إلى جزء من لعبة العلاقات العامة وصناعة الصورة الزائفة التي أصبحت
حديث الساعة "كي كان كي ولا".
أبدى تفاعلًا غامضًا وباردًا مع نداءات
الساكنة، خاصة في سيدي يحيى الغرب، تفاعل فيه الكثير من الرمزية، لكن القليل من
الفعل، لا قرارات حاسمة، ولا مبادرات تذكر، بل مجرد تصريحات تائهة لا تجد ترجمتها
في الواقع لحد الساعة.
الأزقة نفسها، الأوساخ ذاتها، الوجوه
الحزينة التي تعاني من التهميش والحرمان، والبيروقراطية الفاسدة التي تحكم رقاب
المواطنين باسم القانون "والسولطاتية" السياسية، لازالت تُمارس مهامها
بكل وقاحة في مشهد مقزز، وحدها الألوان تغيرت، صباغة بالأحمر والأخضر والأبيض، كأن
طلاء الأرصفة سيعالج العطب البنيوي العميق، الشوارع تزينت لإستقبال "إدريس
الروبيو" الحيقية اليوم طار "العكر" وبقية "الخنونة".
العامل بدا في لحظة كمن يلبس عباءة المحقق
"الذكي كونان"، ينزل ميدانيًا، يراقب بصمت وخلسة، يدون الملاحظات، ويعود
إلى مكتبه، ظن البعض أنها مقدمة لزلزال إداري مرتقب، لكن الأيام أثبتت أن الرجل
اكتفى بتدوين المسرحيات،فقط .
ملف المستشفى الإقليمي فوق أرض الرحاونة
السلالية، هي المثال الصارخ على سياسة "غدًا الحل بعده بعد بعده"
ويترجمها "وسيري داجة تال
تازة"، مشروع كان سيُقام بإجراءات بسيطة لا تتطلب سوى أيام حسب تصريح السيد
العامل ذاته لتعود الأمور لمجراها، لكن مرت الشهور، واليوم تجاوزنا ثمانية أشهر،
ولازال المشروع رهين الرفوف "شبع غبرة".
ورغم ذلك، لا يمكن أن نغضّ الطرف عن بعض
المبادرات التي أُنجزت، كتحرير الملك العام، وإبعاد بعض الموظفين المتورطين في
شبهات أو تعطيل مصالح الناس.
لكن هل يكفي هذا؟
بالطبع لا.
لأن الفساد لا يُجتث بجز رؤوس صغيرة، بل
بهدم المنظومة فساد من جذورها، وربما "إدريس الروبيو" وقف في أول عقبة.
هل يكون إستسلم للواقع ؟.
ملف النفايات في سيدي يحيى الغرب عاد إلى
الواجهة بشكل أكثر قبحًا، القمامة تغزو الشوارع، الروائح تزكم الأنوف، والساكنة
تعيش على إيقاع القرف اليومي، تعهدتم سيدي العامل في السابق، بأن المشهد لن يتكرر،
لكنه عاد أقبح مما كان، الحمد لله أن لا عيد ولا ذبح أضاحي هذه السنة، وإلا لكنا
بصدد فاجعة بيئية تحتاج تدخل الأمم المتحدة.
السيد العامل، الصور والفيديوهات لا تصنع
التاريخ، ولا تحفظها ذاكرة الشعوب، الفلاشات تنطفئ سريعًا، بينما يبقى أثر العمل
على الأرض، أنتم اليوم مطالبون بإجابات ميدانية وليس بلاغات ميدانية شبه
"بروتوكولية"، الناس تنتظر أفعالًا لا تقارير إعلامية محشوة بالمصطلحات
الفضفاضة، من حق المواطن أن يسائل ممثلي السلطة، لا ليتطاول عليهم، بل لأنه الطرف
الذي يدفع ثمن الفشل.
هل أتيتم لتغيير المعادلة؟
أم لإرضاء من يعرفون من أين تؤكل الكتف،
هؤلاء الذين خبرناهم وخبرونا، وخضنا معهم معارك امتدت لأزيد من عقدين؟
الواقع اليوم في "سيدي يحيى
الغرب" صار لا يطاق، انهيار بيئي، تدبير كارثي للنفايات، خدمات صحية منعدمة،
تعليم متدهور، شباب تائه، وبطالة تفتك بالأسر، هل يكفي القول إننا نتابع الوضع؟
لا سيدي العامل، عليكم أن تتصرفوا وتتحركوا
فورًا، لن نقبل بعد الآن أعذارًا من قبيل، الإمكانات محدودة، الملفات معقدة، أو
ننتظر الموافقة، المجلس، أو بالأحرى المواطنون يدفعون الملايين مقابل خدمات، لم
تقضى، أنتم من تملكون صلاحيات التدخل السريع، ومن واجبكم استخدام تلك الصلاحيات
قبل أن ينفجر الوضع.
نحن لا نكتب حقدًا، بل نحمل هم أسرنا ومن
عشنا بين ضهارنيهم والناس بأمانة.
نحترم الدولة ومؤسساتها، لكننا نرفض الصمت
أمام الخذلان، لقد سئمنا من البوز الإداري أكثر من 70 سنة مضت، وأصبحنا نريد
واقعًا ملموسًا يلامس كرامة المواطن في معيشه اليومي، إذا كان لا بد من تقييم
مجبرون غير باغون، فإن حصيلة "إدريس الروبيو" حتى الساعة، تُسجَّل عليها
نقاط أكثر سلبية من الإيجابية، بسبب البطء، الغموض، وانعدام الشجاعة الكافية
لاتخاذ قرارات قوية تعكس تطلعات الساكنة.
سيدي يحيى الغرب ليست مجرد نقطة على خريطة الإقليم، بل مدينة تعج بالحياة مدينة بنت "القنيطرة وطنجة ومراكش وأصيلا والدار البيضاء وكبريات المدن " من فائض مداخلها الذي تحتجه اليوم، وهي أم التنمية، وأم هذه المدن وغيرها، الأم التي أعطت ولم تجد من ينصفها اليوم، وأي استهتار بقضاياها هو بمثابة إعلان فشل أخلاقي وإداري كبير من قبل أي كان.
من هنا تبدأ المصداقية أو تنهار، لا نريد خطابات ترويجية، ولا نريد
تأثيث مجالس خاوية على عروشها، نريد قرارات جريئة، نريد أن نحس فعليًا أن هناك من
يدبر الإقليم بعين الإنصاف، لمدينتنا، لا بعين الإعلام.
الشارع يتحدث، المواطنون غاضبون، والثقة
تتآكل يوما بعد يوم.
والوقت لا يرحم.
فإن لم تُبادروا اليوم، فغدًا سيكون الحساب عسيرًا، لا من طرف الإعلام فقط ، بل من طرف التاريخ، نحن في لحظة حرجة، تتطلب جرأة استثنائية، ومبادرة غير اعتيادية، وإلا فإن مصيركم سيكون كمن سبقكم، صور منسية في أرشيف العمالة، لا أحد يتذكرها إلا حين تُعاد نفس المسرحية، نعرف ثقل وحجم المسؤولية...،لكن..
كفى طلاءً، نريد إصلاحًا.
كفى تصنّعًا، نريد عملاً.
وكفى سينما، نريد واقعًا أفضل لأبنائنا في
مدينة سيدي يحيى الغرب.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك