على أنوزلا يكتب:عن أيّ صحافة يتحدثون؟

على أنوزلا يكتب:عن أيّ صحافة يتحدثون؟
مقالات رأي / السبت 13 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم:علي أنوزلا

النقاش الدائر اليوم في المغرب حول الصحافة، والمجلس الوطني للصحافة، وبطاقة الصحافة، هو في جوهره نقاش غير ذي موضوع. ليس لأنه يفتقر إلى الحماسة أو إلى الأصوات المرافعة عنه، كلٌّ من زاوية نظره، أو بالأحرى من زاوية مصلحته، بل لأنه يناقش شيئًا لم يعد موجودًا أصلًا في مغرب اليوم: الصحافة.

فالصحافة، كما هي متعارف عليها عالميًا، بقيمها المهنية، واستقلالها، ووظيفتها الرقابية، وأخلاقياتها، تم تفريغها من كل معانيها منذ سنوات، وحلّت محلها صيغ هجينة لا تمتّ إليها بصلة: صحافة العلاقات العامة من جهة، وصحافة التشهير من جهة أخرى، وصحافة الإثارة والتفاهة والمتاجرة بأعطاب المجتمع ومآسي البسطاء من حهة ثالثة، وصحافة البروباغوندا الرسمية، من جهة رابعة، وصحافة "العام زين" التي تعرض خدماتها مجانا لمن يٌلقمها فتاة الموائد من جهة خامسة، وصحافة الإبتزاز  والاسترزاق الرخيص من جهة سادسة... والمسافة بين كل هذه الممارسات وبين الصحافة الحقيقية ليست مجرد اختلاف في الأسلوب، بل هوّة سحيقة كتلك التي تفصل بين السماء والأرض.

الدليل الشاهد على سطحية هذا النقاش هو سبب تفجّره. فهو لم ينفجر دفاعًا عن حرية التعبير، ولا احتجاجًا على التضييق أو الرقابة، ولا مطالبة بضمانات الاستقلالية، بل بسبب بطاقة الصحافة: وثيقة إدارية لا تغني ولا تسمن من جوع، لا تمنح بالضرورة صفة “صحفي”، ولا تحمي حاملها، ولا تضمن له حقًا، ولا تضيف شيئًا إلى جوهر مهنته.

اليوم، هناك أكثر من 4200 شخص يحملون بطاقة الصحافة في المغرب. أغلبهم لا يعرفهم أحد، ومن بينهم من لم يمارس يومًا عملاً يمكن أن يُوصَف بأنه عمل صحفي. ومع ذلك، يحملون بطاقة تمنحهم رسميًا صفة “صحفي”.

إذا كان كل هؤلاء صحفيين، فلماذا يمتنع المجلس الوطني للصحافة ولجنة منح البطاقة عن نشر لوائح بأسمائهم؟

الجواب بسيط ومحرج في آن واحد: لأننا سنكتشف أننا أمام أسماء نكرة، وأمام أسماء لا علاقة لها بالصحافة من قريب أو بعيد، وربما أمام “موظفين” لدى “جهات” أخرى لا صلة لها بمهنة المتاعب، لكنهم يحملون بطاقة الصحافة لأغراض لا تمتّ بصلة إلى العمل الصحفي.

محاولة تأطير النقاش وكأنه يتعلق فقط بـ“البطاقة الصحفية”، كما فعلت بعض المنابر والبرامج التلفزية، ليست سوى محاولة يائسة لإخفاء الغابة بالشجرة. فالقضية أكبر من وثيقة مهنية، إنها تتعلق بانعدام شروط وجود الصحافة نفسها في سياق شهد تجريفًا وتمييعًا لكل شيء: السياسة، والإعلام، والثقافة، والعمل النقابي والبحث الأكاديمي..

من العبث أن ينشغل الرأي العام بوثيقة تافهة، بينما السؤال الحقيقي هو:

ما معنى أن تحمل بطاقة صحافة في بلد لا وجود فيه للصحافة؟

فلنتأمل قليلًا هؤلاء الذين يتنابزون اليوم دفاعًا عن “صحافة” لا وجود لها:

ما هو أثرهم في تاريخ الصحافة المغربية؟

ما هي تحقيقاتهم التي هزّت الرأي العام؟

أين هي مقالاتهم أو تحليلاتهم التي يستند إليها الناس لفهم ما يجري؟

أغلب هؤلاء لم يمارسوا الصحافة كما هي معروفة في العالم. وأقصى ما وصل إليه “أحسنهم” هو وظيفة إدارية في جرائد حزبية، أو تسيير مقاولات للدعاية والعلاقات العامة، أو الكتابة في مواقع مشبوهة متخصصة في التشهير ومطاردة المعارضين والأحرار.

ما يهم الناس اليوم ليس البطاقة، ولا اللجان، ولا المجالس، ولا تبادل الاتهامات التي لم تفضح سوى أصحابها.

ما يهمهم هو سؤال واحد واضح: كيف يُصرف الدعم المخصص للصحافة من أموال دافعي الضرائب؟ وكم صرف منه ولمن؟ 

27 مليار سنتيم من المال العام صُرفت هذا العام لدعم الصحافة، إضافة إلى 3 ملايير سنتيم هي الميزانية السنوية للمجلس الوطني للصحافة. ومن حق الشعب أن يعرف: أين ذهبت كل هذه الأموال؟ من استفاد منها؟ كم استفاد؟ وبأي شروط؟ وبأي مقابل مهني أو أخلاقي؟

أما النقاشات الجانبية حول البطاقة، واللجان، والمجالس، وكثرة القيل والقال، وتبادل الاتهامات، فليست سوى لغو في لغو، يُستعمل لإلهاء الناس حتى لا ينتبهوا إلى من يبدّد أموالهم، ويحرمهم من صحافة تستحق اسمها: صحافة حرة، تمارس دورها كسلطة مضادة، تصطف إلى جانب الحقيقة، تدافع عن الضعفاء، وتنتصر للعدل ضد الظلم، وللديمقراطية ضد الاستبداد، وللحرية ضد القمع والاعتقالات، وللشفافية ضد الفساد وللمحاسبة ضد الإفلات من العقاب..

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك