المغرب يهرول لتلميع مطاراته قبل مونديال 2030 وتمويلات بمئات الملايين تفتح أسئلة الحوكمة وجدوى الاستثمار

المغرب يهرول لتلميع مطاراته قبل مونديال 2030 وتمويلات بمئات الملايين تفتح أسئلة الحوكمة وجدوى الاستثمار
اقتصاد / الجمعة 12 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر

في سباق محموم مع الزمن، دخل المغرب مرحلة جديدة من “التسريع القسري” لمشاريع البنية التحتية الجوية، بعد إعلان البنك الإفريقي للتنمية عن منح قرض ضخم يصل إلى 270 مليون أورو لدعم ورش توسيع وتحديث المطارات، في سياق الاستعداد لحدث استثنائي، استضافة كأس العالم لكرة القدم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.

ورغم أن الخطاب الرسمي، يتحدث عن “قفزة نوعية” و“تحول استراتيجي”، إلا أن هذا التدفق المالي الهائل يفتح الباب على مصراعيه أمام أسئلة مشروعة حول الحكامة، الأولويات، والقدرة الحقيقية على ترجمة الأرقام إلى واقع فعّال يخدم المواطنين لا فقط صورة البلاد.

فالمغرب الملتزم بضخ 38 مليار درهم في قطاع المطارات، ويطمح إلى مضاعفة الطاقة الاستيعابية من 38 مليون مسافر حالياً إلى 80 مليون بحلول 2030.

هدف يبدو جذاباً على الورق، لكنه يتطلب وبصراحة أكثر من مجرد بناء مبانٍ جديدة وفك ألواح رخام وإضافة بوابات إلكترونية، بل يتطلب رؤية واضحة لتدبير القطاع، وإعادة النظر في نموذج التسيير، وقطع الطريق عن منطق “المشاريع الكبرى” التي تأكل الميزانيات دون تقييم حقيقي للنتائج.

فالأرقام السياحية تُظهر اندفاعة قوية: 18 مليون زائر بحلول نونبر 2025، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ البلاد، يعزز السردية الرسمية بأن المغرب اليوم “منصة متوسطية-إفريقية” تستقطب العالم.

لكن هذه القفزة السياحية، المبنية أساساً على ظرفية دولية معقّدة وانكماش وجهات منافسة، تطرح بدورها تحديات ضخمة تتعلق بالأمن الجوي، جودة الخدمات، والضغط على البنية التحتية.

فبيان البنك الإفريقي للتنمية بدا احتفائياً، مؤكداً أن البرنامج سيعزز قدرات المطارات عبر تحديث البنية التشغيلية، تطوير أنظمة الملاحة الجوية، وتحصين الأمن.

لكنّ ما يتم عدم قوله هو الأساس،وهو أن هذه الأموال تدخل في وقت يعاني فيه قطاع الطيران المغربي من اختلالات هيكلية، من بينها ضعف الربط الداخلي، هشاشة بعض المطارات الجهوية، وغياب تنافسية حقيقية في خدمات النقل الجوي.

وبحلول 2030، تتوقع السلطات رفع الطاقة الاستيعابية إلى 14 مليون مسافر بمطار مراكش، وخمسة ملايين بأكادير، و3.6 مليون بطنجة، وثلاثة ملايين بفاس...أرقام كبيرة، لكنها تصطدم بحقيقة أن المطارات وحدها لا تبني نموذجاً اقتصادياً جديداً، ولا تحل معضلات النقل الداخلي، ولا تضع المغرب تلقائياً في خانة “المحاور الجوية الكبرى”.

الأمر ذاته، ينطبق على الخطوط الملكية المغربية، التي يجري توسيع أسطولها بطموح لربط إفريقيا بأوروبا والأمريكتين عبر الدار البيضاء، خطوة مهمة، لكن الشركة لازالت تواجه تحديات تنافسية في الأسعار، جودة الخدمات، وتأخرات متكررة تُنغّص على المسافرين.

المحصلة، أن القرض الجديد، الذي يرفع مجموع تمويلات البنك الإفريقي للمغرب هذا العام إلى 1.3 مليار أورو، ليس مجرد دعم مالي، بل ورقة سياسية واقتصادية ذات ثقل، تُظهر حجم الرهانات الموضوعة على مونديال 2030.

لكنّ نجاحه لن يتحقق ما لم تُفتح ملفات الحكامة بشجاعة، وتُراجع مقاربات التدبير، ويُكسر منطق “الأوراش الكبرى” التي تُطلق بسرعة الضوء دون تقييم أو محاسبة.

فالمغرب أمام لحظة مفصلية، إما أن يتحول الاستثمار الضخم إلى بنية تحتية فعّالة تُحدث تحوّلاً حقيقياً في النقل الجوي، أو يتحول مرة أخرى إلى واجهة مُلمّعة تُخفي مشاكل مزمنة لا تُحل بالقروض ولا بالصور الدعائية.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك