قانون مالية 2026..من يحكم فعليًا اقتصاد المغرب؟

قانون مالية 2026..من يحكم فعليًا اقتصاد المغرب؟
اقتصاد / الأحد 30 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

في الوقت الذي ينتظر فيه ملايين المغاربة ميزانية أكثر عدالة، تكبح الغلاء وتُنعش القدرة الشرائية وتعيد الثقة للمواطن، يخرج قانون مالية 2026 كوثيقة صادمة تُعيد طرح السؤال الأكبر:هل تُدار مالية الدولة لخدمة المجتمع؟ أم لتأمين مصالح لوبيات ظلت تتحكم في مسارات القرار الاقتصادي منذ عقود؟

فما  تقدمه الحكومة على أنه “إصلاح مالي”، يبدو في العمق مجرد عملية نقلٍ للثروة من جيوب الفئات الهشة والمتوسطة نحو دوائر النفوذ التي تحكم الاقتصاد والصفقات العمومية والاحتكارات الكبرى.

أولًا:ضرائب تُرهق المواطنين وإعفاءات تُنعش الكبار

من بين أكثر ملامح قانون المالية إثارة للجدل:

توسيع الوعاء الضريبي على المهنيين الصغار والمتوسطين، مع الإبقاء على الامتيازات الضخمة للشركات الكبرى والمعفاة من الضرائب لسنوات بحجة “تشجيع الاستثمار”.

رفع بعض الرسوم غير المباشرة، وهي أخطر أنواع الضرائب لأنها تُدفع دون أن يشعر المواطن، وتُثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود.

تجميد الإصلاح الضريبي الحقيقي الذي كان من المفترض أن يُحقق العدالة بين الأرباح الخيالية للشركات الكبرى ودخل المواطن البسيط.

بهذه المقاربة، يبدو القانون وكأنه موجَّه لاستنزاف القدرة الشرائية للسواد الأعظم، بينما تُفتح الأبواب الخلفية أمام الشركات النافذة لتعظيم أرباحها.

ثانيًا:استمرار نزيف الدعم الاجتماعي وسط غياب رؤية

رغم الوعود الحكومية المتكررة بدعم الأسر الهشة عبر “السجل الاجتماعي الموحد”، يكشف قانون مالية 2026:

الغياب شبه التام لأي زيادة حقيقية في ميزانيات الدعم الاجتماعي.

إلغاء تدريجي لبعض البرامج القديمة دون ضمان بديل فعال.

توجيه جزء من الاعتمادات نحو مشاريع كبرى لا تلامس حياة المواطن اليومية مثل النقل الحضري الفاخر أو الاستثمارات العقارية العمومية.

ثالثًا:تجميد الأجور مقابل ارتفاع معيشة لا يتوقف

رغم ارتفاع التضخم وغلاء المعيشة، لم يُقدّم قانون المالية أي تصور لرفع الأجور أو تحسين التعويضات، باستثناء بعض التحسينات الرمزية لفئات محدودة في القطاع العام.

فالطبقة المتوسطة، التي كانت دائمًا صمام الأمان الاجتماعي، تُسحق اليوم بين نارين:غلاء لا يرحم، وأجور تزداد هشاشة.

رابعًا:استثمارات عمومية لمن تُنجز؟

يعرض القانون أرقامًا ضخمة حول “الاستثمار العمومي”، لكنها في الواقع:

تتوجه في غالبيتها نحو مشاريع بنية تحتية ضخمة تستفيد منها شركات مرتبطة بلوبيات المال والأعمال.

تُدار بعقود غامضة وشروط انتقائية تُقصي المقاولات الصغيرة والمتوسطة.

تُضخ فيها ميزانيات دون تقييم حقيقي للمردودية أو التأثير الاجتماعي.

الاستثمار الحقيقي، القادر على خلق مناصب شغل واسعة وتحريك الاقتصاد المحلي، يظل غائبًا.

خامسًا:دين عمومي ينفجر والعبئ على الأجيال المقبلة

يرفع قانون مالية 2026 الدين العمومي إلى مستويات مقلقة:

المديونية الخارجية تتوسع، ما يضع القرار الاقتصادي تحت رحمة المؤسسات المالية الدولية.

خدمة الدين تلتهم حصة هائلة من ميزانية الدولة، تتجاوز في بعض الأحيان مخصصات التعليم والصحة معًا.

غياب رؤية لإعادة التوازن يجعل الأجيال القادمة رهينة خيارات سياسية تُصنع اليوم داخل دوائر ضيقة.

في النهاية:الدولة تستدين والمواطن هو من يسدد الفاتورة.

سادسًا:لوبيات الاقتصاد أقوى من المؤسسات المُنتخبة

يتجلى انحياز القانون بشكل صارخ في:

تمرير إجراءات ضريبية تحمي الشركات الكبرى المحتكرة للوقود، المواد الغذائية، العقار…

تكريس إعفاءات لفائدة شركات بعينها، تُعرف في الكواليس بـ"الحيتان الكبيرة".

استمرار اقتصاد الريع عبر منح امتيازات واحتكارات في قطاعات استراتيجية.

القانون، بدل أن يكون أداة لإعادة توزيع الثروة، تحول إلى وثيقة تحمي ثروة الأقوياء.

سابعًا:غياب رؤية اجتماعية وحكومة بلا بوصلة

الأخطر أن قانون مالية 2026 لا يعكس أي رؤية ملموسة:

لا خطة لمواجهة البطالة المتفاقمة.

لا تصور لإصلاح التعليم العمومي.

لا استراتيجية لإنقاذ المنظومة الصحية.

لا مشروع للإسكان الاجتماعي الحقيقي.

ما يبدو واضحًا هو أن الحكومة تعتمد مقاربة محاسباتية باردة بدل سياسة عمومية تحمي المواطن.

ميزانية بلا روح ومغرب يُعاد تشكيله لصالح الأقلية

قانون مالية 2026 ليس مجرد نص مالي، فهو مرآة لطريقة حكم اقتصاد البلاد، وبحسب ما يكشفه هذا التحقيق:

الطبقات الهشة والمتوسطة خاسرة.

دوائر النفوذ واللوبيات أكبر رابح.

العدالة الاجتماعية تُهمَّش.

الاختيارات الاقتصادية تُصنع في مكان آخر.

إنها ميزانية تُعيد إنتاج نفس النموذج الاقتصادي الذي فشل لعقود في خلق الثروة وتوزيعها، وتُعيد تركيز السلطة المالية في يد أقلية نافذة.

والمغرب، بقدر حاجته لميزانيات تُنقذ المواطن من الغلاء والتهميش، يجد نفسه مرة أخرى أمام قانون مالي يكرس اللامساواة ويُغذي اقتصاد الامتيازات، بينما تبقى الفئات الضعيفة خارج الحسابات.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك