مافيا اللحوم الحمراء..من يشتري صمت الدولة ويرهن القدرة الشرائية للمغاربة؟

مافيا اللحوم الحمراء..من يشتري صمت الدولة ويرهن القدرة الشرائية للمغاربة؟
اقتصاد / السبت 22 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي

تعيش أسعار اللحوم الحمراء في المغرب واحدة من أعلى موجات الغلاء خلال السنوات الأخيرة، في ظل صمت رسمي يوصف بـ"غير المبرر"، وانهيار واضح للقدرة الشرائية للمواطنين.

ورغم الوعود الحكومية المتكررة، ما تزال كلفة الكيلوغرام من لحم البقر والغنم تحلّق في مستويات لا تتناسب مع دخل الأسر، ما يثير أسئلة ملحّة حول من يتحكم فعلياً في هذه السوق، ولماذا تبدو الدولة خارج اللعبة؟.

لوبيات التسمين:دولة داخل الدولة

يكشف فاعلون في القطاع أن جزءاً كبيراً من الإنتاج الوطني أصبح تحت هيمنة شركات كبرى وملاّك ضيعات ضخمة تتوفر على قدرات مالية هائلة، ما يتيح لهم التحكم في العرض، وفرض أثمنة عالية دون أي رقيب فعلي.

هذه “المافيات"، كما يصفها مربّون صغار، تستفيد من نفوذ اقتصادي وسياسي يسمح لها بتوجيه القطاع داخلياً، وإغراق الأسواق بالعلف المستورد بأسعار مرتفعة، بينما يبقى المنتج الصغير غير قادر على المنافسة، فيضطر الكثيرون إلى مغادرة المهنة.

دعم حكومي ينتهي في جيوب الكبار

رغم أن الحكومة خصصت مئات الملايين لدعم الأعلاف والماشية بدعوى حماية القطيع الوطني ومواجهة سنوات الجفاف، إلا أن تأثير الدعم لم يصل إلى المواطن، بل لم يصل حتى إلى المربّين الصغار.

وتتحدث تقارير مهنية، عن استفادة شبكات محدودة من الدعم العمومي، عبر آليات معقدة تُمكّن كبار المضاربين من الاستفادة من الكميات الموجهة للدعم، وإعادة بيعها بأسعار مرتفعة، ما يجعل الدعم يتحول إلى ريع مقنّن.

العلف:كلمة السر في ارتفاع الأسعار

يؤكد المهنيون أن 70% من تكلفة إنتاج اللحوم ترتبط بسعر العلف، ومع ارتفاع أسعار الذرة والشعير والصوجا في السوق الدولية، وجد المربون أنفسهم في وضع صعب.

لكن المفارقة الكبرى أن عدداً من الشركات المغربية تستورد الأعلاف بكميات كبيرة وتخزنها ثم تعيد طرحها في السوق بأسعار مضاعفة.

ووسط غياب رقابة صارمة، تصبح هذه الشركات المتحكمة الفعلية في سعر الكيلوغرام داخل محلات الجزارة.

استيراد الأبقاروالأغنام:حل ترقيعي يخدم لوبيات محددة

اعتمدت الحكومة على استيراد الأبقار والأغنام من أوروبا وأمريكا اللاتينية لتخفيف الأسعار، لكن الأرقام تؤكد أن الكميات المستوردة لم تؤثر على السوق.

السبب ببساطة هو أن عملية الاستيراد نفسها خاضعة لنفوذ نفس اللوبيات التي تتحكم في تسويق اللحوم.

والنتيجة، دعم عمومي، تسهيلات جمركية، وإجراءات استثنائية...لكن الأسعار لم تنخفض، بل ارتفعت في بعض المدن.

المستهلك:الحلقة الأضعف في سلسلة بلا حماية

في ظل هذا الاختلال البنيوي، يتحمل المستهلك المغربي عبء منظومة غير شفافة، لا تحدد فيها الدولة سقفاً للأسعار، ولا تفرض مراقبة صارمة على الوسطاء، ولا تدعم فعلياً المربين الصغار.

ويشتكي الكثير من المغاربة من أن اقتناء اللحم أصبح “مناسبة”، بعدما كان جزءاً من النظام الغذائي اليومي.

خبراء:الحل يبدأ من تفكيك الشبكات التي تسيطر على القطاع

يرى باحثون في الاقتصاد الزراعي أن أي إصلاح حقيقي يتطلب:

مراقبة صارمة لسوق الأعلاف وفرض الشفافية في عمليات الاستيراد والتسويق.

توجيه الدعم مباشرة للمربين الصغار عبر آليات رقمية محكمة.

إحداث وكالة وطنية مستقلة تنظم القطاع وتكسر احتكار الوسطاء.

بناء مخزون وطني للأعلاف لضمان الاستقرار السعري خلال الأزمات.

فمن دون هذه الإجراءات، سيظل سعر اللحم رهيناً بالمضاربات، وسيدفع المواطن الثمن.

 غلاء بلا نهاية في ظل غياب قرار سياسي

أزمة اللحوم الحمراء في المغرب ليست مجرد ارتفاع عابر في الأسعار، بل انعكاس لبنية اقتصادية يهيمن عليها النفوذ والمصالح الخاصة.

وإلى أن تتوفر إرادة سياسية حقيقية لضبط القطاع وتحريره من قبضة اللوبيات، سيبقى “طبق اللحم” رفاهية لعدد كبير من الأسر المغربية، بينما تستمر مافيات السوق في توسيع أرباحها على حساب جيوب المواطنين.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك