المغرب في صدارة خارطة التصدير الجديدة والبرازيل تفتح بوابة الماشية نحو إفريقيا

المغرب في صدارة خارطة التصدير الجديدة والبرازيل تفتح بوابة الماشية نحو إفريقيا
اقتصاد / الأربعاء 11 يونيو 2025 - 20:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

في تحول استراتيجي لافت داخل السوق العالمية للحوم والماشية الحية، أعلنت البرازيل عن توسيع كبير في صادراتها من الماشية، مع تركيز غير مسبوق على الأسواق الإفريقية، وفي مقدمتها المغرب.

هذا التوجه الجديد، الذي تؤطره مصالح وزارتي الزراعة والتجارة الخارجية البرازيلية، يأتي في سياق البحث عن أسواق بديلة ومستقرة في ظل اضطرابات تجارية يشهدها العالم بفعل الأزمات الجيوسياسية وسلاسل الإمداد.

وحسب تقارير رسمية صادرة عن الاتحاد البرازيلي لتصدير اللحوم (ABIEC)، فإن المغرب يُصنّف اليوم كأحد أهم الوجهات الناشئة ضمن استراتيجية التوسع اللاتيني في أسواق العالم الإسلامي والإفريقي.

ويؤكد مسؤولون برازيليون أن المملكة المغربية تُعتبر بوابة مثالية لدخول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، بفضل موقعها الجغرافي، واستقرارها السياسي، وتزايد الطلب المحلي على اللحوم الحمراء ذات الجودة العالية.

صادرات الماشية من أمريكا اللاتينية إلى شمال إفريقيا

تشكل البرازيل إحدى أكبر الدول المصدرة للحوم والماشية في العالم، حيث تحتل المرتبة الأولى في صادرات لحوم الأبقار، والثانية في لحوم الدواجن. لكن السنوات الأخيرة شهدت تغييرات عميقة في موازين التجارة، دفعت برازيليا إلى تنويع أسواقها، بعيداً عن الصين وأوروبا اللتين تشكلان الزبون التقليدي الأول.

وبهذا الصدد، تم توقيع عدد من الاتفاقيات البيطرية والتجارية مع بلدان إفريقية، أبرزها المغرب، الذي يستورد بالفعل كميات مهمة من اللحوم المجمدة والمبردة من أمريكا اللاتينية، وبدأ منذ فترة قصيرة الانفتاح على استيراد الماشية الحية لأغراض الذبح أو التسمين، وهو ما تطمح البرازيل لتأمينه بكميات كبيرة ومنتظمة.

المغرب سوق واعدة بشروط صارمة

بحسب مصادر من المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (ONSSA)، فإن التعاون المغربي-البرازيلي في مجال استيراد الماشية الحية يخضع لشروط صارمة، من حيث جودة السلالة، والبيئة الصحية للماشية، وضمانات عدم الإصابة بالأمراض المنتقلة. وقد أجرت السلطات المغربية زيارات تفقدية لعدد من المزارع البرازيلية قبل المصادقة على الترخيص بالاستيراد، خصوصاً بعد تجارب ناجحة مع دول مثل إسبانيا وفرنسا.

ويهدف المغرب من وراء هذا التوجه إلى تحقيق نوع من التوازن في السوق الداخلية، لا سيما بعد ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء خلال السنوات الأخيرة، ووجود طلب متزايد خلال مواسم معينة مثل عيد الأضحى، وشهر رمضان، وموسم الأعراس. كما تراهن الحكومة على استيراد ماشية موجهة للتسمين داخل الضيعات المغربية، لتقوية سلسلة الإنتاج الوطني، وخفض فاتورة الاستيراد على المدى المتوسط.

لماذا البرازيل؟ ولماذا الآن؟

الرهان البرازيلي على السوق المغربية ليس وليد الصدفة، بل يعكس استراتيجية تصدير هجومية تم تطويرها بعد سنوات من الاشتغال على المعايير البيطرية واللوجستية المطلوبة من طرف الأسواق الإسلامية. فالبرازيل، التي تضم أكثر من 25 مليون رأس من الأبقار موجهة للتصدير، قادرة على تأمين حاجيات السوق المغربية بكميات كبيرة وجودة عالية، وبتكلفة تنافسية، بالنظر إلى توفرها على شبكات نقل بحري فعالة عبر الأطلسي، وانخراط شركاتها في أنظمة ذبح حلال تحترم الشروط الإسلامية.

وبالإضافة إلى اللحوم والماشية الحية، تنوي البرازيل مستقبلاً تصدير منتجات أخرى ذات صلة بالقطاع الحيواني نحو المغرب، مثل العلف المركب، والمكملات البيطرية، والخبرات في إدارة الضيعات المكثفة.

المردودية الاقتصادية.. هل يستفيد المغرب؟

يرى خبراء الاقتصاد الفلاحي أن توسيع استيراد الماشية الحية من البرازيل يمكن أن يُحدث أثراً مزدوجاً على السوق الوطنية. فمن جهة، سيسهم في خفض الأسعار، وتوفير عرض كافٍ من اللحوم، خاصة في أوقات الذروة، ومن جهة أخرى، يطرح تحديات تتعلق بـمنافسة القطيع الوطني، والتوازن بين الإنتاج المحلي والاستيراد.

لكن الحكومة المغربية تؤكد أنها تتعامل مع هذا الملف بحذر، وتضع مصلحة الكسابة المغاربة في صلب القرار، وذلك من خلال فرض حصص محددة، وتوجيه بعض الواردات فقط نحو الذبح المباشر وليس التسمين، تفادياً لإغراق السوق.

تحديات لوجستية ومخاطر بيئية

رغم المؤشرات الإيجابية، يظل نقل الماشية الحية عبر المحيط الأطلسي عملية معقدة من الناحية اللوجستية والبيئية. فمدة الرحلة قد تتجاوز أسبوعين، وتتطلب تجهيزات خاصة للحفاظ على صحة الحيوانات، وتفادي الأمراض أو الوفيات أثناء الرحلة. كما أن المغرب، في حال اعتماده المتزايد على هذا النمط من الاستيراد، سيكون مطالباً بتقوية بنياته التحتية من موانئ ومستودعات ومحاجر بيطرية.

فالبرازيل لا تأتي إلى السوق المغربية فقط بصفتها مصدّراً، بل كشريك استراتيجي في زمن يبحث فيه الجميع عن الأمن الغذائي، واستقرار سلاسل التوريد. أما المغرب، فبتوسيع شراكاته الفلاحية والتجارية جنوباً، يبرهن مرة أخرى على أنه لا يرتهن لأي محور اقتصادي واحد، بل يبني خياراته على أساس تنويع المصادر، وضمان توازن سوقه الداخلية.

وبين طموحات التصدير البرازيلية، وحاجة المغرب إلى اللحوم الحمراء بجودة عالية وتكلفة منخفضة، تُرسم ملامح تعاون جديد.. عنوانه: ماشية من أمريكا اللاتينية.. على مائدة المغاربة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك