أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
في خطوة فجّرت موجة غضب واسعة داخل الجسم الصحافي، مرّر مجلس المستشارين مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة، رغم الرفض الصريح والشامل لكل الهيئات المهنية والنقابية الممثلة للصحافيين.
وُصف القانون داخل الأوساط المهنية بأنه مفروض من فوق، ويُكرّس منطق التحكم بدل التنظيم الذاتي، ويقوّض ما تبقى من استقلالية المهنة في لحظة دقيقة تعيش فيها الصحافة المغربية اختناقاً غير مسبوق.
برلمان شبه فارغ وقانون مصيري
الجلسة التشريعية التي صودق فيها على المشروع كشفت مشهداً سياسياً صادماً، حيث غياب شبه كلي للبرلمانيين، إذ لم يتجاوز عدد الحاضرين 11 مستشاراً فقط، صوّت ستة منهم لصالح القانون مقابل خمسة عارضوه.
فأغلبية هزيلة تمرر نصاً يمس جوهر حرية الصحافة، في مشهد أعاد طرح سؤال الشرعية السياسية والأخلاقية لقرارات تُتخذ داخل مؤسسة يُفترض أنها تمثل الأمة.
139 تعديلاً ولا أثر للنقاش
رغم سيل التعديلات المقترحة، والتي بلغ عددها 139 تعديلاً من مختلف الفرق والمجموعات البرلمانية، جرى التعامل معها بمنطق الرفض شبه الشامل، في تأكيد إضافي على أن مسار المصادقة كان شكلياً، وأن القرار كان محسوماً سلفاً.
ومست التعديلات، جوهر تركيبة المجلس، ونمط انتخاب أعضائه، وتمثيلية الصحافيين والناشرين، لكنها سقطت تباعاً أمام إصرار حكومي على تمرير الصيغة الأصلية دون تعديل يُذكر.
مجلس مُفصَّل على المقاس
أكثر النقاط إثارة للجدل تمثلت في تركيبة المجلس الوطني للصحافة، التي تمنح أفضلية واضحة للناشرين على حساب الصحافيين، مع فتح الباب أمام التعيين بدل الانتخاب، ما اعتبرته الهيئات المهنية انقلاباً صريحاً على مبدأ الاستقلالية والديمقراطية الداخلية.
ورفض كل المقترحات الداعية إلى توسيع التمثيلية أو إدماج “الصحافيين الحكماء” زاد من تعميق القناعة بأن الهدف ليس الإصلاح، بل إعادة إنتاج مجلس خاضع للوصاية.
حكومة في مواجهة المهنة
إصرار وزير الشباب والثقافة والتواصل على تمرير القانون، ورفضه إدراج ديباجة أو أي ضمانات إضافية، وُوجه بتأويلات واسعة ترى في ذلك استخفافاً بالإجماع المهني، وضرباً لمبدأ التشاركية الذي ينص عليه الدستور.
فالقانون، في نظر معارضيه، لا يعالج أعطاب القطاع، بل يعمّق أزمته البنيوية والأخلاقية، ويفتح الباب أمام مزيد من التضييق والترهيب المقنّن.
تشريع ضد الصحافة وضد الديمقراطية
تمرير هذا القانون في ظل غياب برلماني شبه كلي، ورفض مهني شامل، يجعل منه نموذجاً لتشريع بلا روح ولا توافق، ويؤكد أن أزمة الصحافة في المغرب لم تعد مهنية فقط، بل تحولت إلى أزمة سياسية وديمقراطية.
فحين يُشرَّع لقانون يهم حرية التعبير داخل قاعة شبه فارغة، يصبح الخطر أكبر من نص قانوني، بل يصبح خطراً على معنى الديمقراطية نفسها.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك