أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
الملف الذي تفجر بين ليلة وضحاها لم يعد مجرد قضية تهريب أموال، بل تحول إلى مرآة عاكسة لصراع أعمق بين أجهزة تحاول حماية ما تبقى من الاقتصاد الوطني، وبين لوبيات محمية بشبكات نفوذ تتجاوز سلطة الحكومة نفسها.
إشعارات أوروبية دقيقة كشفت أن ما جرى لم يكن خطأً محاسبياً، بل عملية مهيكلة لاقتلاع الثروة من البلد وتحويلها إلى جزر الكاريبي بعيداً عن القانون والشفافية.
رجال أعمال فوق القانون وحكومة تتفرج
المعطيات الأولية تشير إلى تورط رجال أعمال مغاربة/أوروبيين خلقوا شركات “أوفشور” في الجزر العذراء و“كايمن” و“سانت كيتس”.
فهؤلاء ليسوا مجرد مستثمرين؛ بل جزء من شبكة تستفيد من حماية غير معلنة، حماية تجعلهم قادرين على تحويل الملايين دون أن تجرؤ الحكومة على الاقتراب منهم، وهنا الخلاصة واضحة، هناك دولة تُحاسب الفقراء ودولة أخرى تحمي من يهربون الملايير.
تقنيات تهريب مبهرة ودليل على عقل مدبر داخل “الدولة العميقة”
اكتشف مكتب الصرف خدمات صورية بصفقات تجاوزت ملايين الدراهم، لكن تحقيقات موازية أظهرت أن العملية كانت تتطلب مستوى من المعرفة التقنية والقانونية لا يتوفر إلا لدى أطراف نافذة تمتلك خبرة في الالتفاف على الرقابة الدولية.
فالقيمة المنتفخة للواردات، البضائع المتلفة عمداً، الشركات الورقية، وتعدد الحسابات المالية...كلها تشير إلى هندسة محكمة لا تشتغل دون ضوء أخضر من مستويات عليا.
حكومة بلا سلطة ونفوذ يتوسع في الظلام
ما يثير الصدمة هو صمت الحكومة، التي تكتفي بدور المتفرج رغم أن القضية تمس مباشرة احتياطي العملة واستقرار المالية الوطنية.
هذا الصمت ليس عجزاً فقط، إنه إعلان غير مباشر بأن القرار الحقيقي لم يعد في يد المؤسسات المنتخبة.
فالاقتصاد اليوم، لا تتحكم فيه القوانين، بل تتحكم فيه شبكات ظل تشتغل فوق الدولة وتستعملها كواجهة.
ملف قد يشعل شرارة إذا توفرت الإرادة الشعبية
الكشف عن تهريب 270 مليون درهم ليس النهاية. إنه مجرد رأس جبل الجليد، فهذا النوع من الملفات هو ما يحرك المجتمعات ويفضح هشاشة النموذج السياسي، القائم على ازدواجية السلطة، دولة رسمية تقدم الوعود، ودولة عميقة تحرك الخيوط.
ومع تراكم الغضب الاجتماعي وارتفاع الأسعار وتآكل الثقة، قد يتحول هذا الملف إلى شرارة نقاش واسع حول من يحكم فعلياً ومن يستنزف ثروة المغاربة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك