أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
تعيش المنطقة المغاربية على وقع توترات جديدة بعدما انتشرت خلال الأيام الأخيرة روايات تفيد بأن المغرب تقدّم بشكوى غير معلنة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بهدف الضغط على الجزائر وجرّها إلى مربع العقوبات بعد خطوة اقتنائها مقاتلات “سو–57” الروسية.
ورغم أن السلطات المغربية لم تؤكد أو تنفِ هذه المعلومات، إلا أن طريقة تعامل الرباط مع الملف تعكس مرة أخرى ارتباكاً واضحاً في سياستها الإقليمية، ومحاولة الدفع بالصراع بعيداً عن الساحة المغاربية نحو مراكز القرار في واشنطن وتل أبيب.
تساؤلات كثيرة تُطرح اليوم حول ما إذا كان المغرب يحاول استغلال علاقته القوية بالإدارة الأميركية من أجل التأثير على خيارات الجزائر الدفاعية، وهو مسار خطير يعكس عجز الرباط عن مواجهة جارتها بشكل مباشر والاكتفاء باللجوء إلى الحلفاء الأقوياء.
فالرهان على الولايات المتحدة لفرض عقوبات على بلد مجاور، بدل البحث عن حلول دبلوماسية أو آليات إقليمية للتهدئة، يطرح علامات استفهام حول توجهات السياسة الخارجية المغربية التي تحولت تدريجياً إلى سياسة اصطفاف بدل سياسة توازن.
أما ما يتم تداوله عن طلب المغرب “مظلة حماية إسرائيلية”، فيكشف عن مسار أكثر إثارة للجدل. إذ إن توظيف العلاقات العسكرية مع تل أبيب في سياق صراع مغاربي داخلي يفتح الباب أمام مزيد من التوترات ويُخرج المنطقة من نطاقها الاستراتيجي نحو لعبة المحاور الدولية.
هذا السلوك، إذا صحّت تفاصيله، يبرز مدى اعتماد الرباط على الحلفاء الخارجيين عوض بناء قدرة ذاتية مستقلة تضمن أمنها دون إثارة حساسيات خطيرة لدى شعوب المنطقة.
وفي الوقت الذي تعزز فيه الجزائر قدراتها الدفاعية بشكل معلن، يختار المغرب الاشتغال في الظل، والاعتماد على القنوات الخلفية، وتغذية الحرب الإعلامية عبر تسريبات غير رسمية تُقدّم المملكة في موقع الضحية المهددة،
رغم أن سباق التسلح المغاربي تغذيه سياسات كلا الطرفين. غير أن تحرك الرباط نحو واشنطن وتل أبيب – إن صحّ – يجعل المغرب يبدو كمن يدفع نحو تدويل الأزمة بدل احتوائها.
المشكلة الأعمق تكمن في أن هذا السلوك يمنح الجزائر ورقة سياسية جاهزة لتقديم نفسها باعتبارها الطرف الأكثر استقلالية في قراراته الدفاعية، بينما يبدو المغرب مرتبطاً أكثر فأكثر بتحالفات خارجية قد ترتد عليه سياسياً وإقليمياً.
كما أن اللجوء إلى واشنطن للضغط على الجزائر يضع الرباط في موقع الضعيف الذي يحتاج إلى دعم الآخرين، وليس الشريك الإقليمي القادر على التفاوض من موقع قوة ومسؤولية.
وبدل أن تلعب الرباط دور الوسيط العقلاني في المنطقة، تبدو اليوم – حسب الروايات المتداولة – منخرطة في دبلوماسية تقوم على الشكاوى والتحريض ضد الجار، وهو توجه قد يدفع المنطقة إلى سباق غير محسوب،
ويؤكد مرة أخرى أن المغرب يغامر بعلاقاته الإقليمية في سبيل تعزيز تحالفات خارجية لا تنظر إلى استقرار شمال إفريقيا كأولوية.
في المحصلة، سواء صحت هذه الادعاءات بالكامل أو جزئياً، فإن الرباط مطالَبة بإعادة تقييم نهجها في التعامل مع التوازنات الإقليمية.
لأن سياسة اللعب عبر واشنطن وتل أبيب لن تمنح المغرب القوة التي يبحث عنها، بل قد تجعله يبدو كطرف يدخل معاركه بأدوات الآخرين، في وقت تحتاج فيه المنطقة إلى سياسات رشيدة أكثر من حاجتها إلى صراعات بالوكالة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك