أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
يتساءل عدد متزايد من المتتبعين، عن السرّ وراء الغياب شبه التام للنقابات المغربية، في لحظة يعرف فيها المواطنون أعلى مستويات الغلاء والاحتقان الاجتماعي.
فرغم أن المغاربة يواجهون ارتفاعاً مهولاً في تكاليف المعيشة، وتدهوراً في الخدمات العمومية، وتجميداً للأجور، لم تعد النقابات تتحرك إلا في مناسبات محدودة وبإيقاع ضعيف، وبخطاب لا يرقى إلى حجم المعاناة اليومية.
التدجين الممنهج:شراء الذمم والتخويف
وفق مصادر نقابية سابقة وخبراء في العلاقات المهنية، فإن ما يسمى بـ"الدولة العميقة" لعبت دوراً مركزياً في إفراغ النقابات من قدرتها على المواجهة.
والآليات متعددة، أبرزها:
-شراء ذمم بعض القيادات عبر الريع والمناصب والتسهيلات والانتدابات غير المبررة.
-إخضاع قيادات أخرى لمنطق التخويف عبر المتابعات الإدارية أو القضائية أو الضغط الوظيفي.
-دعم تيارات داخل النقابات لإحداث انقسامات تُضعف أي خط نضالي مستقل.
بهذه الوسائل، تحوّلت النقابات من قوة اجتماعية مؤثرة إلى مؤسسات بيروقراطية، تشتغل داخل “الخطوط الحمراء”، ولا تجرؤ على تجاوز حدود معيّنة مهما بلغت معاناة المواطنين.
سقوط الدور التاريخي للنقابات
كانت النقابات لعقود واجهةً للدفاع عن العمال والموظفين والطبقات الفقيرة، ومصدراً لتوازن القوة داخل المجتمع.
أما اليوم، فمعظمها، حسب مجموعة من المتتبعين للشأن النقابي بالمملكة، تعيش على أنفاس الدولة العميقة، حيث اجتماعات رسمية، بلاغات باهتة، حوارات اجتماعية شكلية، وتوقيع اتفاقات تُجمِّل الواقع دون تغييره.
في المقابل، لا صوت لها في زمن الانفجار السعري، أو أزمة السكن، أو تراجع القدرة الشرائية، أو الاحتقان في قطاعات الصحة والتعليم والنقل.
مجموعات تابعة بدل نقابات حقيقية
يذهب محللون إلى أن أغلب النقابات الكبرى لم تعد تمثل قواعدها، بل أصبحت أقرب إلى مجموعات مرتبطة بالمؤسسات الرسمية، تعمل وفق تعليمات غير معلنة، وبخطاب محسوب لا يزعج أحداً.
وحتى الاحتجاجات التي تنظَّم بين الحين والآخر تُعتبر، وفق نفس المصادر "تنفيساً مضبوطاً" أكثر من كونها نضالاً حقيقياً.
المواطنون بدون سند والنقابات خارج الزمن الاجتماعي
في ظل هذا الواقع، يعيش المغاربة أزمةً مركّبة تتجلى أبرز معالمها في:غلاء الأسعار، هشاشة الشغل، تدهور الأجور، البطالة، وانهيار الخدمات الأساسية.
ورغم ذلك، تغيب النقابات عن الشارع، وتغيب عن البرلمان، وتغيب عن الإعلام، وكأنها اختارت الانسحاب من دورها التاريخي.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد تراجع نقابي، بل نتيجة هندسة دقيقة حوّلت النقابات إلى أدوات بلا تأثير، تخدم “استقراراً اصطناعياً” أكثر مما تخدم حقوق المواطنين.
وإلى أن تستعيد الحركة النقابية استقلالها الحقيقي، سيظل المغاربة يواجهون أزماتهم وحدهم، بلا وسطاء، بلا حماية، وبلا صوت يدافع عنهم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك