المخزن العميق يعود بلباس جديد..كيف يحكم المقدمون والشيوخ والقياد والعمال المغرب؟ ويشكّلون العمود الفقري للدولة في "مملكة القرن 22"

المخزن العميق يعود بلباس جديد..كيف يحكم المقدمون والشيوخ والقياد والعمال المغرب؟ ويشكّلون العمود الفقري للدولة في "مملكة القرن 22"
ديكريبتاج / الأربعاء 26 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

رغم كل الخطب الرسمةي حول “الدولة الحديثة” و“الإصلاح المؤسساتي” و“الجهوية المتقدمة”، يظل المغرب محكوماً ببنية سلطوية قديمة تعود جذورها إلى القرون الماضية.

بنية لم تتغير إلا في الشكل، أما الجوهر فظل ثابتًا، شبكة من المقدمين والشيوخ والقياد والباشوات والعمال الذين يمارسون سلطة فعلية على تفاصيل حياة المغاربة أكثر مما تمارسه المؤسسات المنتخبة أو القوانين الحديثة.

إنهم الواجهة الحقيقية لـ“المخزن العميق”، العمود الفقري لنظام حكم يتجه إلى القرن 22 بأدوات القرن 19.

المقدمون والشيوخ:عيون المخزن وأدوات الضبط الاجتماعي

لا توجد مؤسسة إدارية بالمغرب أكثر حضوراً في الحياة اليومية من مقدم الحي وشيخ الدرب.

هؤلاء ليسوا مجرد أعوان سلطة، بل جهاز مراقبة اجتماعية يتحكم في الوثائق الإدارية، في الحركة داخل المجال الترابي، في الشكايات، في السكن، وفي جزء من الأمن المحلي غير المعلن.

فالمقدم يعرف من يدخل ومن يخرج، من بنى ومن هدم، من يسكن ومن يرحل، من يحتج ومن يصمت.

إنه جهاز يسبق القانون ويعلو عليه، ويشتغل خارج المحاسبة، وهو ما يجعل منه نقطة ارتكاز أساسية في منظومة الحكم.

القياد والباشوات:السلطة الترابية التي تُشرعن الهيمنة

فوق المقدم والشيخ يقف القائد والباشا، بسلطات شبه مطلقة في مجالات حساسة: منح الرخص، ضبط الاحتجاجات، التدخل في القرارات الجماعية، التحكم في الصفقات المحلية، مراقبة المنتخبين، والتواصل المباشر مع الأجهزة الأمنية.

إنهم صمام الأمان للمخزن في مواجهة أي حركة اجتماعية أو سياسية.

ففي لحظات التوتر، يتحول القائد والباشا إلى ممثل مباشر للسلطة المركزية، يطبّق توجيهات فوق دستورية، ويُقصي كل من يخالف الخط الرسمي، في غياب أي مراقبة ديمقراطية.

العمال والولاة:حكام الأقاليم الحقيقيون

على رأس الهرم الترابي يوجد العمال والولاة، الذين يشكلون الطبقة العليا المخزنية، والمسؤولين الفعليين عن سير المؤسسات داخل نفوذهم.

فهم ليسوا مجرد ممثلين للدولة، بل أصحاب قرار اقتصادي وسياسي وأمني، ويمسكون بخيوط كبرى كـ:

المصادقة على المشاريع

توجيه السياسات العمومية

التحكم في الأراضي

ضبط ميزانيات الجماعات

مراقبة المنتخبين

إدارة الملفات الحساسة المتعلقة بالاستثمار والأمن والهجرة

إنهم “حكام غير منتخبين” يتحكمون في مصير ملايين المواطنين، ويملكون من السلطة الفعلية ما يفوق بكثير ما يملكه الوزراء أو البرلمانيون.

المؤسسات المنتخبة:ديكور ديمقراطي داخل دولة تحكمها السلطة الترابية

يُنتخب رؤساء جماعات وجهات، لكن السلطة الحقيقية ليست بأيديهم،فكل قرار كبير يمر عبر سلطة العامل أو الوالي.

فالمجالس المنتخبة تتحول إلى “واجهة ديمقراطية”، في نظام تديره فعليًا الدولة الترابية عبر أعوان السلطة.

والمقدم قد يوقف مشروعًا قبل أن يبدأ، والقائد قد يَحسم في رخصة تعطل الاستثمار، والعامل يمكن أن يُسقط ميزانية جماعة كاملة بضغطة قلم.

شبكة المخزن:منضبطة..هرمية..وغير قابلة للمساءلة

القاسم المشترك لكل هذه المستويات هو غياب المحاسبة، حيث لا محكمة مالية تراقبهم، لا برلمان يسائلهم، ولا إعلام يقترب من ملفاتهم الحساسة.

إنهم “البيروقراطية العميقة” التي لا تتغير بتغير الحكومات ولا تتأثر بالانتخابات.

إنهم نظام ترابي مُحكم يجعل المغرب بلدًا يدار من فوق، فيما تُترك الديمقراطية للإشهار السياسي فقط.

مملكة القرن 22 بآليات الرقابة العتيقة نفسها

بينما يتقدم العالم نحو حكامة رقمية وشفافية وتسيير محلي قائم على الكفاءة والمساءلة، ما يزال المغرب يعتمد على منظومة تقليدية تُدار بوسائل بشرية قائمة على الولاء، والمراقبة الميدانية، والعلاقات الزبونية.

المخزن العتيق نجح في تجديد نفسه شكلاً، لكنه حافظ على جوهره: سلطة مركزية صارمة محاطة بشبكة واسعة من الأعوان تُشكل البنية التحتية الحقيقية للنظام السياسي.

إصلاح الدولة الترابية هو الإصلاح السياسي الحقيقي

لا معنى لأي إصلاح سياسي دون إعادة هندسة العلاقة بين المواطن والسلطة الترابية، ولا جدوى من الانتخابات والبرامج إذا ظل القرار الحقيقي بيد المقدم والقائد والعامل.

إن تفكيك "المخزن الترابي" أو على الأقل دمقرطته هو شرط أساسي لحلول دولة القانون محل دولة الأعوان، ولبناء مغرب يسير فعلاً نحو القرن 22 بدلاً من جرّ أدوات القرون الماضية معه.

خلاصة القول، هذا التحقيق ليس دعوة لهدم المؤسسات، بل نداء لإعادة بناء الدولة على أسس حديثة:المساءلة، الشفافية، واحترام المواطنين، قبل أن تتحول السلطة الترابية إلى دولة داخل الدولة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك