أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
منذ انتهاء المدة القانونية لعمل اللجنة المؤقتة المكلفة بتسيير المجلس الوطني للصحافة في أكتوبر الماضي، يعيش القطاع على وقع حالة غير مسبوقة من العبث المؤسساتي.
لجنة فقدت شرعيتها الزمنية والقانونية، لكنها ما تزال تمارس مهامها بكامل الصلاحيات وكأن شيئاً لم يحدث، في تجاهل صارخ للقانون المنظم ولمنطق الشرعية الديمقراطية الذي يفرض توقف الهياكل فور انتهاء آجالها.
هذا الوضع خلق استنكاراً واسعاً داخل الجسم الصحافي، واعتُبر مؤشراً جديداً على تغوّل منطق “التعيين الدائم” خارج أي رقابة أو مساءلة.
صفقات غامضة وقرارات مثيرة..أين الشفافية؟
غياب الشرعية لم يكن وحده المشكلة، بل أصبح بوابة مفتوحة أمام شبهات تتعلق بطرق تدبير موارد المجلس الوطني للصحافة سابقاً واللجنة المؤقتة لاحقاً.
ففي ظل غياب تقارير مالية واضحة، وعدم نشر تفاصيل الصفقات والخدمات التي استفاد منها أشخاص وشركات، تتصاعد المخاوف من وجود اختلالات خطيرة تتطلب افتحاصاً مالياً عاجلاً ومستقلاً.
قطاع الصحافة الذي يفترض أن يكون نموذجاً للشفافية والرقابة على المال العام، بات اليوم موضوع مساءلة حول نزاهة تدبير مؤسسته الرسمية.
دعوات لافتحاص شامل بلا خطوط حمراء
أصوات صحافيين ومهنيين وخبراء في الحكامة تُجمع على ضرورة إطلاق افتحاص مالي شامل، يغطي كل ما جرى منذ تأسيس المجلس الوطني للصحافة مروراً بمرحلة اللجنة المؤقتة.
والافتحاص يجب أن يشمل الصفقات، التعويضات، طرق التعيين، الانتدابات، والخدمات المقدمة باسم المجلس.
فالمطلب أصبح اليوم أكثر من مجرد نداء؛ إنه ضرورة وطنية لإنقاذ ما تبقى من ثقة داخل القطاع، ولوقف أي استغلال محتمل للمال العمومي تحت غطاء تنظيم مهنة الصحافة.
المهنيون بين الغضب والذعر وقطاع على حافة الانهيار الأخلاقي
العديد من الفاعلين يعتبرون أن استمرار لجنة غير شرعية على رأس مؤسسة رسمية يفتح الباب أمام انهيار تام لهيبة القطاع، ويضرب مصداقية الصحافيين والمؤسسات الإعلامية في الداخل والخارج.
فكيف يمكن لجسم صحافي أن يطالب بالشفافية وهو عاجز عن فرضها داخل بيته؟ وكيف يمكن لمؤسسة انتهت صلاحيتها أن تستمر في إصدار قرارات ملزمة؟ هذه الأسئلة أصبحت محور نقاش واسع، يعكس حجم التذمر والشرخ الذي يتعمق داخل الجسم المهني.
افتحاص أو استمرار الفوضى
تأخر الإصلاح لم يعد خياراً. المطلوب اليوم هو مساءلة واضحة، ومحاسبة شفافة، وإعادة مؤسسة المجلس إلى وضعها القانوني الطبيعي عبر انتخاب هيئة جديدة شرعية، خاضعة للمراقبة والقانون.
بدون ذلك، سيظل قطاع الصحافة يعيش تحت ظلال فوضى مؤسساتية ومالية، تدمّر ما تبقى من قيم المهنية وتُفقد المغرب أحد أهم مظاهر دولته الحديثة: احترام القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك