أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
على مدى العقدين الأخيرين، تحولت العلاقة الأمنية بين المغرب وإسبانيا إلى شبكة معقدة من المصالح غير المتوازنة، جعلت من الرباط طرفاً قادراً على التأثير في السياسات الداخلية والخارجية لمدريد من خلال ملفات حسّاسة مثل الهجرة والإرهاب والمراقبة الحدودية.
هذه العلاقة، التي تُقدَّم رسمياً على أنها “شراكة استراتيجية”، تخفي واقعاً مختلفاً: إسبانيا—رغم كونها دولة ديمقراطية—باتت تعتمد بشكل كبير على جهاز أمني مغربي يُنظر إليه دولياً على أنه غير شفاف ويستعمل الملفات الأمنية كورقة ضغط سياسية.
في هذا التحقيق نُسلط الضوء على جوانب مسكوت عنها في هذا التعاون، ونكشف كيف أصبحت مدريد—رغماً عنها—تقدم تنازلات تتناقض مع قيم الديمقراطية التي تُنادي بها، فقط للحفاظ على “هدوء الحدود”.
أمن إسبانيا في يد الرباط…اعتمادٌ خطير وغير متكافئ
منذ سنة 2020، ارتفع مستوى التعاون الأمني بين البلدين إلى حدّ جعل الأجهزة الإسبانية تعتمد بشكل مباشر على المغرب لضبط:
الهجرة غير النظامية عبر سبتة ومليلية وجزر الكناري.
شبكات تهريب المخدرات في مضيق جبل طارق.
مراقبة الجماعات المتطرفة القادمة من الساحل والصحراء.
تقارير داخلية في وزارة الداخلية الإسبانية تعترف بأن المغرب “يمتلك القدرة التقنية والبشرية لفتح أو إغلاق الحدود متى شاء”، وهو ما يضع إسبانيا في موقف هش.
ففي كل مرة تتوتر العلاقات السياسية، ترتفع أعداد المهاجرين بشكل مفاجئ، وكأن الحدود تتحول إلى أداة ضغط دبلوماسي.
وهنا تجب الإشارة، إلى أن حادثة تدفق 8.000 مهاجر إلى سبتة في يومين (ماي 2021) كانت درساً قاسياً لمدريد...فعندما يغضب المغرب تدفع إسبانيا الثمن
تبادل المعلومات الاستخباراتية…طريق باتجاه واحد
بينما تعمل الاستخبارات الإسبانية وفق ضوابط الاتحاد الأوروبي—الشفافية، الرقابة البرلمانية، واحترام الحقوق—لا يخضع الجانب المغربي لنفس القيود.والنتيجة:
التعاون يتحول إلى علاقة غير متوازنة
إسبانيا تشارك معلومات دقيقة وحساسة حول خلايا إرهابية وتحركات مشتبهين.
المغرب يشارك فقط ما يخدم أجندته السياسية ويحتفظ بما قد يمنحه قوة تفاوضية لاحقاً.
في حين، يؤكد خبراء الأمن في مدريد، أن “الاعتماد على جهاز لا يخضع للرقابة” يعرّض الديمقراطية الإسبانية لتهديدات صامتة، خاصة إذا تم استعمال هذه المعلومات كورقة ضغط في ملفات أخرى.
الهجرة:السلاح الأكثر خطورة في يد الرباط
الهجرة أصبحت السلاح المفضل للمغرب في علاقته مع أوروبا، وإسبانيا أكثر المتضررين.
تقارير مؤسسات أوروبية تشير إلى أن:
أي خلاف دبلوماسي مع الرباط يُترجم مباشرة بارتفاع عدد القوارب المتجهة إلى الكناري.
عمليات المراقبة يتم “تشديدها أو تساهلها” تبعاً للمزاج السياسي بين العاصمتين.
إسبانيا، التي تُفترض أنها دولة ديمقراطية تحترم المبادئ الإنسانية، وجدت نفسها في وضع تتخلى فيه عن خطاب حقوق الإنسان مقابل “استقرار مؤقت” تمنحه الرباط مقابل تنازلات سياسية واقتصادية. وأبرز مثال هنا:
تحول مدريد المفاجئ في موقفها من قضية الصحراء الغربية سنة 2022.
قرار صادم لم تعلنه الحكومة إلا بعد ضمان “التعاون الكامل” من المغرب في ملف الهجرة.
إسبانيا الديمقراطية تغض الطرف عن انتهاكات موثقة
منظمة العفو الدولية، مجلس أوروبا، ومؤسسات حقوقية عديدة انتقدت الوضع الحدودي بين البلدين، خصوصاً أحداث مليلية 2022 التي خلفت عشرات القتلى، ورغم ذلك، رفضت مدريد توجيه أي انتقاد مباشر للرباط، واكتفت:
بتصريحات دبلوماسية غامضة،
تجنب تحميل أي جهة المسؤولية،
رفض تشكيل لجنة تحقيق مستقلة.
والسبب، حسب مصادر سياسية إسبانية:
الخوف من رد فعل المغرب، الذي قد يوقف التعاون الحدودي ويغرق جزر الكناري خلال أيام.
هكذا تصبح الديمقراطية الإسبانية رهينة لقرار أمني مغربي.
من المستفيد الحقيقي؟ المغرب…وبوضوح
المعادلة الحالية تُظهر أن المغرب هو الطرف الأكثر استفادة من التعاون الأمني:
اعتراف إسبانيا بمغربية الصحراء.
دعم مالي ولوجستي من الاتحاد الأوروبي.
تعزيز نفوذه الإقليمي كشريك “لا يمكن الاستغناء عنه”.
تحويل الأمن إلى ورقة ضغط تسمح له بفرض مواقفه.
بينما إسبانيا، رغم كونها دولة ديمقراطية قوية المؤسسات، أصبحت أكثر هشاشة أمام أي تصعيد مغربي.
ديمقراطية مدريد في مواجهة براغماتية الرباط
العلاقة الأمنية بين البلدين اليوم ليست شراكة حقيقية، بل معادلة نفوذ غير متكافئة:
المغرب يوظف الأمن والهجرة كورقة قوة سياسية.
إسبانيا تخشى أن أي قطيعة قد تخلق فوضى داخلية وتفتح باباً لليمين المتطرف.
في النهاية، تثبت هذه العلاقة أن الديمقراطية—مهما كانت قوية—يمكن أن تنحني أمام الواقعية الجيوسياسية… وأن الرباط نجحت بذكاء في تحويل موقعها الجغرافي وملفاتها الأمنية إلى نفوذ يتجاوز حجمها السياسي والاقتصادي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك