أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
منذ وصول عزيز أخنوش إلى رئاسة الحكومة في أكتوبر 2021، عاد النقاش بقوة حول مدى احترام المغرب لمبدأ فصل الثروة عن السلطة، أو بمعنى آخر المال عن السياسة.
فالرجل الذي يعد من أكبر رجال الأعمال في البلاد، خصوصا في قطاع المحروقات والفلاحة والتوزيع، وجد نفسه يرأس حكومة يُفترض أن تشرّع وتراقب وتُحاسب نفس القطاعات التي راكم فيها ثروته ونفوذه.
هذا الوضع خلق مخاوف حقيقية من تضارب مصالح بنيوي، خاصة مع غياب أي خطوات واضحة للتخلي عن إدارة إمبراطوريته الاقتصادية أو وضعها تحت إشراف مستقل، كما يحدث في العديد من الدول الديمقراطية.
وزراء ورجال أعمال..من يراقب من؟
لا يقف تضارب المصالح عند رئيس الحكومة فقط، بل يمتد إلى عدد من وزراء حكومته الذين يجمع بعضهم بين المسؤولية السياسية وتسيير شركات خاصة أو التواجد في مواقع من شأنها التأثير على المال العام والصفقات العمومية.
وقد كشفت عدة تقارير صحافية أن بعض أعضاء الحكومة يتخذون قرارات تمس قطاعات يوجدون فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يطرح علامات استفهام حول مدى شفافية هذه القرارات وخضوعها لمنطق المصلحة العامة بدل المصلحة الخاصة.
التحالف الثلاثي:هندسة تخدم رجال الأعمال
التحالف الحكومي بقيادة حزب التجمع الوطني للأحرار، رفقة الأصالة والمعاصرة والاستقلال، قدّم نفسه كتحالف "متجانس" مبني على رؤية اقتصادية جديدة. لكن الواقع أظهر أنه تحالف يخدم قبل كل شيء أجندة الرأسمال الكبير والدوائر الاقتصادية النافذة.
التوجهات الكبرى للحكومة في ملفات مثل: تحرير أسعار المحروقات، استمرار إعفاء شركات كبرى من المساءلة، غياب إرادة سياسية لربط المسؤولية بالمحاسبة، وفتح الباب أمام تركيز الثروة في يد قلة قليلة… كلها مؤشرات على أن السياسة العمومية تسير في اتجاه واحد: حماية مصالح الأوليغارشية.
الشعب يؤدي الثمن:غلاء فاحش وفوارق اجتماعية صارخة
في المقابل، يعيش أغلب المغاربة أوضاعاً اقتصادية واجتماعية صعبة، تميزها موجات غير مسبوقة من الغلاء وتدهور القدرة الشرائية، في حين تتزايد أرباح الشركات الكبرى.
أسعار المحروقات، التي استفادت منها شركات رئيس الحكومة بعد التحرير، أصبحت رمزا للأزمة الحالية، حيث تزامن ارتفاعها مع غياب أي مراقبة فعلية أو مجلس للمنافسة قادر على كبح تغوّل السوق.
أما السياسات الاجتماعية، فبقيت رهينة الوعود، في وقت تتراجع فيه جودة الخدمات الصحية والتعليمية، وتتآكل الطبقة الوسطى بوتيرة مقلقة.
ضعف الرقابة وموت المعارضة السياسية
أحد العناصر التي عمّقت أزمة تضارب المصالح هو غياب رقابة سياسية حقيقية. المعارضة داخل البرلمان تعيش ضعفاً تنظيمياً وخطابياً، فيما تشتغل مؤسسات الحكامة بوتيرة لا ترقى إلى حجم الاختلالات القائمة.
غياب التوازن السياسي سمح للحكومة بالتحرك براحة، وتمرير سياسات اقتصادية واجتماعية أثارت موجات غضب شعبية، دون أن تواجه أي محاسبة سياسية حقيقية.
نحو دولة للأثرياء…أم لحظة لتصحيح المسار؟
يتزايد الشعور بأن المغرب يدخل مرحلة هيمنة اقتصادية غير مسبوقة، حيث تتداخل السلطة بالثروة، ويتحوّل القرار الحكومي إلى أداة بيد فئة ضيقة تتحكم في مفاصل الاقتصاد والمال.
ومع اقتراب استحقاقات 2026، تتصاعد الأسئلة:
هل سيستمر هذا النموذج السياسي القائم على حماية مصالح الأوليغارشية؟
هل يمكن بناء دولة عادلة بوجود تضارب مصالح بهذا الحجم في أعلى هرم السلطة؟
أم أن المغرب مقبل على لحظة مراجعة شاملة تُعيد الاعتبار للمصلحة العامة والديمقراطية والمحاسبة؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك