أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
في 31 أكتوبر 2025، تبنّى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2797 الذي يُعدّ نقطة محورية في مسار ملف الصحراء الغربية.
القرار جدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو) (MINURSO) لمدّة سنة أخرى، لكنه حمل تغيّراً جوهريّاً في الصياغة السياسيّة: فقد اعتبر أن خطة الحكم الذاتي المقدّمة من المغرب تشكّل «الحلّ الأكثر جدّية، قابليّةً للتنفيذ» للصراع.
للدولة المغربية، يُمثّل هذا القرار مكسباً دبلوماسياً وإستراتيجياً هامّاً. لكنّه في المقابل لا يخلو من تحدّيات وسلبيّات، سواء داخليّاً أو إقليمياً. في هذا التقرير نستعرض التحليل السياسيّ لهذا القرار، ونُقيّم إيجابياته وسلبيّاته بالنسبة للمغرب.
1. خلفية القرار: لماذا الآن؟
1.1 الأزمة الممتدّة
منذ انسحاب إسبانيا في منتصف السبعينيات، بقيت الصحراء الغربية موضوعاً نزاعياً بين المغرب وجبهة البوليساريو، بدعم من الجزائر. وكانت الأمم المتحدة قد أقامت بعثة “مينورسو” عام 1991 لتطبيق وقف إطلاق النار وإجراء استفتاء لتقرير المصير.
لكن الاتفاق بقي مجمّداً عمليّاً بسبب الخلافات حول من يحقّ له التصويت، وآليات التفعيل، والموقف من خيار الاستقلال.
1.2 سياق القرار الأخير
أ- تزامن القرار مع تغيّرات إقليمية ودولية: دول غربية أفصحت عن مواقف أكثر دعماً لمقترح الحكم الذاتي المغربي، أو على الأقل تراجعاً في موقفها التقليدي لدعم خيار الاستقلال.
ب- رفع المغرب من حراكه الدبلوماسي، واقترابه من تحالفات إستراتيجية في المنطقة، جعل موقفه أقوى في المحافل الدولية.
ج- رغبة المجتمع الدولي في ضمان الاستقرار الإقليمي، خاصة أمام تدّفقات الهجرة، ومواجهة الإرهاب، ومشاكل الأمن البحري، دفعت إلى دفع الملف نحو حلّ أكثر “واقعية”.
1.3 ماذا يقول القرار؟
-
يشير إلى أن “الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية” يمكن أن يكون “الحلّ الأكثر فعاليّة”.
-
يجدد ولاية بعثة مينورسو لمدّة عام.
-
يدعو الأطراف إلى الدخول في مفاوضات تستند إلى مقترح الحكم الذاتي، مع إشارات ضمنيّة إلى حقّ الصحراويّين في المشاركة.
2. الإيجابيات بالنسبة للمغرب
2.1 تعزيز السيادة والمصداقيّة الدولية
يُمثّل القرار انتصاراً دبلوماسياً واضحاً للمغرب، إذ تُرسم فيه الخريطة الدولية بحيث تعتبر مقترح الحكم الذاتي المغربي هو المرجعيّة الأساسية. هذا يؤدي إلى:
-
تعزيز الاعتراف الدولي بأن المغرب هو الطرف الأساسي في إدارة الملف.
-
زيادة الضغوط على البوليساريو والداعمين لها لتقبّل مرجعيّة المغرب.
-
رفع الحرج عن الرباط في الدفاع عن موقفها أمام الداخل والخارج.
2.2 إنعاش الاستثمار والتنمية في الأقاليم الجنوبية
بما أن القرار يضفي “وضعيّة أكثر استقراراً” على الملف، فإنه يفتح الباب أمام:
-
جذب الاستثمارات الأجنبية إلى المناطق الجنوبية (منطقة الصحراء المغربية) تحت تغطية شرعية أو شبه شرعية دولية.
-
تسريع مشاريع البنية التحتية (موانئ، طاقة، سياحة) التي تربط الصحراء بالمغرب ومحيطه.
-
استخدام الوضع كرافعة للتنمية الجهوية، ما يعزّز التنمية الداخلية ويُخفّف الاحتقان الاجتماعي.
2.3 تحسّن في الموقف الإقليمي والدولي
-
عزّز القرار موقع المغرب في شرق غرب إفريقيا، ومنحه قدرة أكبر على الانخراط في الشراكات الإقليمية.
-
قلّل من عزلة المغرب في بعض المحافل الدولية، وحوّل التوازن الدبلوماسي لصالحه نسبياً.
-
أتاح للمغرب مزيداً من الفرص لفرض أجندته الإقليمية والتعاون في مجالات الأمن، الهجرة والتنمية.
2.4 دفع لبدء مرحلة تفاوضية أكثر وضوحاً
بحسب القرار، يُطلب من الأطراف الدخول في مفاوضات على أساس مقترح الحكم الذاتي، ما يعني أن المغرب يدخل المرحلة التالية من الملف وليس فقط مرحلة حفظ الوضع الراهن. هذا يمنحه الحافز لطرح رؤيته بشكل رسمي، ويسمح بفتح حوارات ذات جدوى.
3. السلبيّات والمخاطِر بالنسبة للمغرب
3.1 غموض قانوني ودستوري حول السيادة
-
القرار لا يمنح المغرب “سيادة قانونية مطلقة” على الصحراء الغربية، بل يعتبر مقترحه “الحلّ الأكثر جدّية” من ناحية تنفيذية. أي أنه ليس إقراراً نهائيّاً للسيادة.
-
هذا يعني أن المغرب ما زال تحت ضغط لمفاوضات قد تغيّر الوضع لاحقاً، وقد تُطلَب منه تنازلات غير مريحة.
3.2 انتظار التزام الأطراف والمفاوضات
-
دخول مرحلة التفاوض يعني أيضاً احتمال وجود مفاجآت وإعادة فتح الملفات — مثلاً تحديد هوية الناخبين، حقوق السكان الأصليين، والمناطق المحتجزة من قِبل البوليساريو.
-
إذا ما فشلت المفاوضات أو استمرّت عقيمة، فقد يُستعاد الزخم لصالح البوليساريو والداعمين لها، ما قد يُضعف مكانة المغرب.
3.3 الضغوط الحقوقية والدولية
-
رغم القرار، تبقى مسألة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية – وتحديداً ما يُنسب من ممارسات تجاه الصحراويين – ضمن موضوعات تثير استياءاً دولياً.
-
أيّ تأخير أو تقصير في تنفيذ “الحكم الذاتي الحقيقي” قد يُعرض المغرب لانتقادات، ما قد يلحق ضرراً بسمعته الدولية.
3.4 التأثير على العلاقات مع الجزائر والدول المجاورة
-
القرار يُعد ضربة دبلوماسية لـ الجزائر، التي تحاول الحفاظ على دور الوسيط ودعم البوليساريو؛ هذا قد يُفاقم التوتر بين الرباط والجزائر.
-
في المقابل، قد تدفع الجزائر إلى تحركات مضادة في الاتحاد الإفريقي أو داخل المنظمات الإقليمية، ما يزيد من تعقيد البيئة الإقليمية.
3.5 التحديات الداخلية (التنمية، السكان، الهوية)
-
مقترح الحكم الذاتي يعني أنّ المغرب سيحتاج إلى تقديم نموذج عمليّ يتحقّق فيه “الحكم الذاتي الحقيقي” لسكان الأقاليم الجنوبية — وهذا يتطلّب استثمارات ضخمة وجدية سياسية.
-
هناك مخاطر بأن “الحكم الذاتي” يصير مجرد شعار إنمائي وليس جوهريّاً في الحقوق الثقافية والسياسية للسكان الصحراويّين، ما قد يعيد إشعال التوتّر الاجتماعي.
4. السيناريوهات المحتملة والمخارج
4.1 السيناريو الأفضل: تفاوض ناجح وتنمية شاملة
في هذا السيناريو، يدخل المغرب والبوليساريو والمجتمع الدولي في مفاوضات جدّية تُفضي إلى إطار حكم ذاتي موسّع، مع إشراك فعلي للسكان المحليين، وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية ملموسة. المغرب يستفيد من شرعية دولية مضمّنة، ويُصبح الأقاليم الجنوبية رافعة للاقتصاد والتنمية الإقليمية.
4.2 السيناريو المتوسط: تثبيت الوضع الراهن
قد ينتج عن المفاوضات حالة من “التجميد المحسّن” — أي أنّ الوضع السياسي يبقى نفسياً لصالح المغرب، لكن الحلّ النهائي يتأخر، ويستمر المناخ على درجة من عدم اليقين. المغرب يبقى مُحقّقاً تقدماً، لكن عليه أن يتحمّل تبعات الانتظار والإحباط الشعبي إن لم يُترجَم الحل عملياً.
4.3 السيناريو الأسوأ: فشل التفاوض وتجميد جديد للنزاع
إذا فشلت المفاوضات أو انسحبت إحدى الأطراف، فقد يعود النزاع إلى حالة من الجمود مع احتمال تجديد المواجهة السياسية أو حتى العسكرية. في هذه الحالة، المغرب يتحمّل كلفة أكبر — من حيث الأمن، التنمية، والمكانة الدولية.
5. توصيات استراتيجية للمغرب
-
إطلاق خطة تنمية فعليّة ومكثّفة في الأقاليم الجنوبية تُظهِر جدّية الحكم الذاتي: تعليم، بنية تحتية، إشراك السكان المحليين، وإرساء مؤسسات محلية قوية.
-
تكثيف الدبلوماسية الدولية لتعزيز الاعتراف الخارجي بخطة الحكم الذاتي وإبقائها في صلب النقاش الدولي؛ مع التركيز على الدول الإفريقية، الأميركية اللاتينية، وآسيا.
-
العمل على تحسين ملف حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية، مع استجابة جديّة لمراقبة دولية، حتى لا تُستخدم هذه المسائل ضدّ المغرب في المحافل الدولية.
-
إدارة العلاقة مع الجزائر بحكمة: تسهيل حوار مباشر أوّلي، محاولة لخفض التوتر عبر مبادرات ثنائية وإقليمية، لأن استقرار شرق المغرب المتوسّط ضروري لنجاح أي حلّ طويل الأمد.
-
تهيئة داخليّاً للرأي العام: شرح ما تعنيه “الحكم الذاتي الحقيقي” للمواطنين، وضمان مشاركة فعليّة للمجتمع المحلي، ما يسهم في بنية دعم داخلي للحلّ.
يمكن القول إن القرار الأممي الأخير يُعدّ نقطة تحوّل مهمة لصالح المغرب في ملف الصحراء الغربية، إذ يعزّز مقترحه ويضعه في موقع القيادة الدولية للمفاوضات. لكن هذا الإنجاز ليس نهاية الطريق، بل بداية مرحلة جديدة تتطلّب جهوداً كبيرة على المستويين الداخلي والدولي. المغرب أمام فرصة كبيرة لتثبيت موقعه وتحقيق منجزات تنموية وسياسية في الأقاليم الجنوبية، لكن النجاح يحتاج إلى رؤية واضحة، تنفيذ فعليّ، وتوازن دبلوماسي يُراعي حساسية الوضع الإقليمي والدولي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك