أنتلجنسيا:لبنى مطرفي
في لحظة سياسية توصف بـ“الوقت الضائع”، وقبل أشهر قليلة من إسدال الستار على الولاية التشريعية الحالية، فجّر مكتب مجلس النواب جدلاً واسعاً بإطلاقه طلب عروض دولي جديد، يروم اقتناء وتركيب وصيانة تجهيزات سمعية بصرية داخل قاعة الجلسات، بكلفة تقديرية تناهز 6,5 ملايين درهم.
خطوة اعتبرها متابعون نموذجاً صارخاً للتسيب في تدبير المال العام، خاصة أنها تأتي في مرحلة انتقالية يفترض فيها ترشيد النفقات لا تحميل المؤسسة التزامات مالية جديدة.
نصف مليار سنتيم خارج منطق الأولويات
الصفقة، التي تتجاوز قيمتها نصف مليار سنتيم، طُرحت في سياق اجتماعي واقتصادي ضاغط، حيث تتعالى الدعوات إلى التقشف وضبط النفقات العمومية.
غير أن مجلس النواب، بدل إرسال إشارات مسؤولة، اختار فتح ورش إنفاق جديد، يثير تساؤلات حول جدوى الصفقة وتوقيتها، وحول ما إذا كانت التجهيزات الحالية تعاني فعلاً من أعطاب تستوجب هذا الغلاف المالي الكبير.
مساطر شكلية وواقع مثير للريبة
الوثائق المرتبطة بالطلب حددت فتح الأظرفة في فبراير 2026، مع إلزام المتنافسين بضمان مؤقت يفوق 130 ألف درهم، وتنظيم زيارة ميدانية تقنية للمقر.
ورغم احترام المساطر القانونية شكلاً، إلا أن جوهر الإشكال، بحسب منتقدي الخطوة، لا يكمن في الإجراءات بل في القرار السياسي ذاته، الذي يكرّس منطق صرف المال العام دون ربطه بحاجيات استعجالية أو محاسبة سياسية.
غياب المحاسبة واستمرار منطق الريع
هذا الطلب يعيد إلى الواجهة سؤال ربط المسؤولية بالمحاسبة داخل المؤسسة التشريعية، ويغذي الإحساس بأن المال العام يُصرف في معزل عن النقاش العمومي والرقابة الفعلية، خصوصاً حين تُبرم صفقات ضخمة في نهاية ولايات، حيث يغيب الأفق السياسي وتضعف المحاسبة، بينما تبقى الفاتورة مؤجلة على دافعي الضرائب.
رسالة سلبية في زمن الأزمة
في المحصلة، لا تبدو الصفقة مجرد إجراء إداري عادي، بل مؤشر سياسي خطير على استمرار ثقافة الإنفاق السهل داخل مؤسسات يفترض أن تكون قدوة في الحكامة الجيدة.
ومع اقتراب نهاية الولاية، يتحول هذا النوع من القرارات إلى وقود إضافي لفقدان الثقة، ويعزز الانطباع بأن المال العام آخر ما يتم التفكير فيه حين تتقاطع السلطة مع غياب المحاسبة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك