أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
عندما يتحول النفاق السياسي إلى سلعة
تُباع وتُشترى في أسواق الشعارات، تظهر شخصيات من طراز خاص مثل اليمنية "كتوكل
كرمان"، التي نصبت نفسها ضمير الإنسانية بمجرد حصولها على جائزة لا تستحقها،
وقد تكون إستخدمت نوعا من "الفهلوة" أي الحيلة أو مطية للحصول عليها، بينما الحقيقة لا تمثل إلا نموذجًا فاضحًا
للتجارة بالقضايا.
هذه المرأة التي اشتهرت باسمها في خضم
ما سُمي بثورات "الربيع العربي"، تحولت اليوم إلى بوق مأجور يخدم أجندات
خارجية، في مقدمتها النظام الجزائري الذي وجد فيها وسيلة لتصريف حقده ضد المغرب،
عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ميادين حرب إعلامية قذرة، نحن قادرون
عليها بكل السبل المتاحة والمشروعة وحتى ...إذا تطلب الأمر.
"توكل كرمان"، التي طالما ادعت
الدفاع عن الحرية والكرامة، سقطت سقوطًا مدويًا حينما واجهت موجة الانتقادات من
المغاربة تحديدا والعالم العربي وحتى اليمنيون بني جلدتها، فأغلقت خاصية التعليقات
وكممت أفواه مخالفيها، لتُظهر للعالم أن “حرية التعبير” عندها تنتهي حين يُمس
تمويلها أو تُنتقد أكاذيبها المفضوحة اليوم أمام العالم، حيث لم تتحمل سيل الردود
المغربية التي كشفت عريها الأخلاقي والسياسي، فاحتمت بصمتها، وكأنها لم تكن يوما
تنادي بفتح الآفاق أمام الرأي والرأي الآخر.
وليس غريبًا أن تقف الجزائر وراء هذه
الحملة المشبوهة ضد المغرب، فهي في حاجة إلى أدوات جديدة لتبرير إخفاقها الداخلي
وتلميع صورتها الباهتة خارجيًا، بعدما نزفت الجزائر وأحرقت جميع أوراقها، حيث لاحظ
العالم أن النزاع المفتعل مع الجزائر وبتمويل من خيرات الشعب الذي يعيش الفقر
المدقع، فالنظام الجزائري، منذ عقود، يحاول أن يصنع أعداء وهميين ليخفي عجزه عن
تحقيق تنمية حقيقية، وبدل أن يتوكل الرئيس الحالي "عبد المجيد تبون" على
الله في إصلاح بلاده، توكل على أمثال "كرمان" لتصنع له محتوى دعائيًا
رخيصًا، في محاولة لتوجيه الأنظار عن أزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
"توكل كرمان" نفسها نموذج صارخ
للانفصام الأخلاقي.
فهي تتحدث عن الجياع وهي تتنقل بين
فنادق الخمس نجوم، وتكتب عن الحرية وهي تتلقى أجورها من أنظمة تقمع الحرية، وتذرف
دموعًا مصطنعة أمام الكاميرات لتبيعها للعالم في مزاد الكتروني مفتوح، بل إن كل
تدوينة وكل بث مباشر لها أصبح مشروعًا استثماريًا مربحًا، تُحسب فيه قطرات الدموع
بالدينار الجزائري الذي يحول إلى الدولار لاحقا، وتُقاس فيه حرارة التحريض بمعدل
المشاهدات والإعلانات.
إنه كان أخطر ما في ظاهرة "كرمان"
سابقا هو قدرتها على تزييف الوعي العام، مستعملة خطابًا عاطفيًا مموّهًا بالمفردات
الدينية والإنسانية، لتخفي خلفه مشروعًا هدامًا يرمي إلى تفكيك المجتمعات العربية
وزرع الشك في مؤسساتها، لكن اليوم إفتضحت اللعبة وإنكشفت الأمور وأصبحت عارية كما
ولدتها أمها بطبيعة الحال "الحقيقة"، فهي لا تزرع الأمل، بل تزرع الغضب
واليأس، وتدفع الشعوب إلى مواجهة أوطانها، بينما تكتفي هي بالفرجة على المشهد من
بعيد، مطمئنة إلى حساباتها البنكية الآمنة.
"عمي تبون" توكل على الله وإنقذ
شعبك ولا تتوكل على كرمان للتغلب على جار طالما حماكم بالمال والعتاد والنفس
والروح ودافع عنكم في مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة.
اليوم لقد أدرك المغاربة جيدًا هذه
اللعبة قدرة، وفهموا أن ما يصدر عن "توكل كرمان" ليس رأيًا حرًا بل
دعاية ممولة، وأن خروجها على المغرب لم يكن سوى امتداد لخطة إعلامية جزائرية
تستهدف رمزية المملكة واستقرارها، وتستغل كل صوت مأجور لتشويه صورتها، لكن الرد
المغربي كان أقوى وسيبقى، لأنه لم يكن ردًا رسميًا، بل شعبيًا، عبّر فيه المواطنون
بعفوية عن رفضهم لتوظيف قضاياهم في أجندات معادية، وكشفوا عبر آلاف التعليقات أن
وعيهم السياسي أصبح حصنًا منيعا ضد كل محاولات التضليل الخارجي.
أما "عبد المجيد تبون"، فهو
في مأزق حقيقي، لأن اعتماده على أمثال كرمان يكشف إفلاس نظامه أخلاقيًا وفكريًا،
فبدل أن يستثمر في بناء إعلام جزائري حر ومهني، يفضل استئجار وجوه مستهلكة فقدت
مصداقيتها في أوطانها، كأنه يقول للعالم إن بلاده لم تعد قادرة على إنتاج صوت
مستقل، وإنها صارت تعتمد على “ناشطة” مرتزقة لتهاجم جارًا أثبت في الميدان قوته
واستقراره ووحدته الوطنية.
جائزة نوبل التي نالتها "توكل
كرمان" قبل سنوات، كانت المفترض أن تكون تكريمًا للنضال من أجل السلام، لكنها
تحولت في حالتها إلى وسام زائف تزين به حملات التحريض والتشويه، فهي لم تسهم في
نشر السلام في اليمن، بل كانت إحدى أدوات تمزيقه، ولم ترفع راية الحرية إلا لتغطي
بها مصالحها الخاصة، وإن كانت اليوم تحرض المغاربة على الفوضى، فهي تعيد إنتاج ذات
الوصفة التي دمرت بها وطنها الأول "ولكن مع من يا ست هانم"، المفارقة
المؤلمة أن من ترفع شعار الكرامة هي نفسها من باعت كرامتها السياسية، ومن تتحدث عن
العدالة الاجتماعية هي من راكمت الثروات من وراء الخطابات الثورية، ومن يقرأ سيرتها
اليوم يدرك أنها ليست سوى مشروع سياسي مأجور، يتنقل حيث توجد الكاميرات
والدولارات، لا حيث توجد الحقيقة أو المصلحة العامة.
لذلك فإن نصيحتنا "لعمي عبد
المجيد تبون"، إن كان يسمع أو يعي، أن يتوكل على الله لا على كرمان التي
"كرمت أوراقها" بالدارجة المغربية " نشفات ولم تعد فيها حياة ولا
تصلح إلا للحرق (الأوراق).
فالتوكل على الله أساس القوة والثبات، أما التوكل على كرمان "حمالة الحطب"، فلن يجلب إلا الرماد، إن الشعوب لا تُحركها التغريدات، ولا تُغريها الشعارات الفارغة، وخاصة المغرب، بل تُلهمها المواقف الصادقة، والمغرب، بتاريخه العريق وثباته السياسي، سيظل عصيًا على مؤامرات الصغار، لأن من توكل على الله حقًا، لا يخاف من تحريض مدفوع الأجر ولا من نعيق مأجور في زمن الشعارات الفارغة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك