أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
لكي يمارس الصحافي مهنته وفق قواعد المهنة وشرفها، لا يكفي حمل بطاقة الصحافة أو الانتماء لهيئة مهنية، فالمطلوب أولاً أن تكون القوانين في بلده ضامنة لحرية التعبير، لا أداة لتقييدها.
فلا صحافة قوية، في ظل تشريعات تُلوّح بالعقاب أكثر مما تدافع عن الحق في الوصول إلى المعلومة ونشرها.
الدعم الرسمي:أداة خنق لا وسيلة إنقاذ
حين تصبح الدولة هي المموّل الأول للصحافة بشتى تلاوينها وأجناسها، تتحول الاستقلالية وحرية التعبير إلى وهم.
فالدعم العمومي، حين يُستعمل كوسيلة للضبط بدل تطوير القطاع، يجعل الصحافي رهيناً لخطوط حمراء غير مكتوبة، ويخلق إعلاماً خاضعاً بدل إعلام مساءلة.
سوق إشهار مُغلق والأفضل لا ينتصر
في بلدان يُدار فيها الإشهار بميزان الولاءات لمراكز النفوذ والتحكم لا بميزان الجودة، يصبح التفوق الصحافي غير مجدٍ.
فالإعلانات تُمنح للأقرب من السلطة، لا للأفضل إنتاجاً، وهكذا تُقبر التجارب الجادة، بينما تتضخم المنابر التي تمارس التطبيل والتفاهة.
الصحافي..قبل القلم:عقل سليم ونَفْس قوية
حتى في الظروف المثالية، يحتاج الصحافي إلى اتزان نفسي وعقلي. لأن الضغط، والتهديد، وغياب الأمان المهني والمالي، كلها عوامل تجعل ممارسة المهنة مغامرة شخصية.
وفي بيئة مختلة وغير متزنة ولا تؤمن بالحقوق المتعارف عليها دوليا، تتكاثر الانهيارات، وتُطرد الكفاءات إلى هامش الصمت، أو إلى مهن أخرى.
غياب الشروط وولادة صحافي "الفيسبوك"
حين تُقفل أبواب المهنة أمام الصحافيين، ويضيق فضاء الحرية والتعبير، يصبح الفضاء الأزرق بديلاً واقعياً.
فلم يعد مستغرباً أن يتحول كل مواطن إلى “صحافي فيسبوك”،ينشر، يحقق، ويكشف، خارج أي إطار مؤسساتي.
وهي ظاهرة ليست دليلاً على قوة المجتمع الرقمي بل دليلاً على انهيار شروط الممارسة الصحافية الحرة في الواقع.
انهيار النموذج المهني وصعود الفوضى
في ظل هذا الوضع الدراماتيكي والخانق لحرية التعبير والرأي، لم تعد الصحافة التقليدية قادرة على الحفاظ على مكانتها.
فبين سياسات التضييق، وسوق الإشهار المنغلق، والدعم المشروط، وغياب الحماية، يتجه الرأي العام صوب المنصات الرقمية، حيث الصوت يعلو بلا قيود ولكنه أيضاً يفقد المهنية والمعايير.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك