
أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
ببالغ الحزن والأسى، ودّعت الساحة
السياسية والنقابية المغربية أحد أبرز رموزها اليسارية، المناضل الصلب مصطفى
البراهمة، الأمين العام السابق لحزب النهج الديمقراطي العمالي، الذي رحل عن
عالمنا بعد صراع طويل مع المرض، تاركًا خلفه إرثًا نضاليًا سيبقى راسخًا في
الذاكرة الوطنية.
وُلد الراحل سنة 1955 بدوار الجوالاّ
بجماعة أولاد حريز، وبرز منذ شبابه المبكر كأحد الأصوات اليسارية الجريئة التي
ناهضت الاستبداد ودافعت عن قيم العدالة والكرامة والحرية. التحق مبكرًا بالمنظمة
الماركسية “إلى الأمام”، فكان ضمن جيل من المناضلين الذين واجهوا سنوات الرصاص
بصلابة وإيمان لا يلين، إذ اعتُقل سنة 1985 وحُكم عليه بعشرين سنة سجنًا، قضى منها
قرابة عقد قبل أن يُفرج عنه سنة 1994 بموجب عفو ملكي أصدره الراحل الحسن الثاني.
لم يكن مصطفى البراهمة مجرد سياسي أو
نقابي، بل كان رمزًا للثبات على المبدأ، ومثالًا للمناضل الذي لم يساوم يومًا على
قناعاته، ظل وفيًا للفكر اليساري وقيمه التحررية، ودافع طيلة مساره عن الطبقات
الشعبية الكادحة، مؤمنًا بأن العدالة الاجتماعية والديمقراطية الشعبية هما السبيل
لبناء مغرب متوازن وإنساني.
تولى سنة 2012 مهمة الكاتب الوطني
لحزب النهج الديمقراطي خلفًا لعبد الله الحريف، فواصل الدفاع عن الخط السياسي
للحزب، وكرس حضوره في النقاش العمومي بمواقف صريحة لا تعرف المواربة. كما كان
دائمًا صوتًا مزعجًا للسلطة وضميرًا يقظًا يذكّر بواجب الالتزام بقضايا الشعب
والوطن.
برحيل مصطفى البراهمة، يفقد المغرب واحدًا
من أبناء جيله الذين صنعوا تاريخ النضال اليساري في البلاد، ويفقد اليسار عقلًا
نيرًا كان يؤمن أن الاختلاف لا يلغي الوحدة في مواجهة الظلم والتفاوت الطبقي، أما
رفاقه في الحزب والحركة اليسارية، فقد عبّروا عن حزنهم العميق لرحيله، مؤكدين أن
فكره ومواقفه ستبقى زادًا للأجيال القادمة في مسيرة النضال من أجل مغرب أكثر عدلًا
وإنصافًا.
رحم الله الفقيد مصطفى البراهمة،
وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ورفاقه الصبر والسلوان. لقد رحل الجسد، لكن سيبقى
الصوت، صوت مناضل لم يساوم يومًا على الوطن والكرامة والإنسان.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك