المغرب يرسم ملامح السيادة البحرية الإفريقية برؤية ملكية متبصّرة

المغرب يرسم ملامح السيادة البحرية الإفريقية برؤية ملكية متبصّرة
ديكريبتاج / الخميس 09 أكتوبر 2025 - 08:14 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

أنتلجنسيا المغرب: وصال . ل

في زمن تتكاثر فيه التحديات الجيوسياسية على السواحل الإفريقية، يبرز المغرب كقوة هادئة تقود بعلم ومعرفة طريق المستقبل البحري للقارة. ففي الدار البيضاء، لم يكن الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، يتحدث عن مشاريع عابرة، بل عن إستراتيجية وطنية راسخة تجعل من البحر فضاءً للسيادة والتنمية المستدامة، مستنيرًا برؤية ملكية تجعل من التعاون الإفريقي ركيزة الأمن والازدهار المشترك.

تحدث لوديي بلغة الميدان والعلم، مؤكّدًا أن المغرب جعل من تثمين الفضاء البحري أولوية تنموية، من خلال استثمارات ضخمة في تجهيزات متقدمة وسفن مسح محيطية حديثة، أبرزها السفينة متعددة المهام "دار البيضا"، ورفيقتاها "الحسن المراكشي" و"ابن سينا"، وهي رموز علمية وتقنية تجسد انفتاح المملكة على الابتكار البحري.

هذه البنية المتطورة لم تتوقف عند السفن، بل امتدت إلى محطات قياس الأمواج وأنظمة الرادار البحري عالية التردد، وشبكات مراقبة دقيقة لحركة المرور في المياه الإقليمية، ما رفع قدرات المغرب التقنية والعلمية إلى مستوى يجعل منه فاعلًا أساسيا في أمن المحيط الأطلسي. إنها ليست مجرد تجهيزات، بل منظومة سيادية متكاملة تعزز حضور الدولة في فضائها الأزرق.

وفي معرض حديثه، شدد لوديي على أن المغرب لا يسعى إلى الريادة الانعزالية، بل إلى الريادة التشاركية. فهو يمد اليد إلى أشقائه الأفارقة لتعزيز التعاون في مجالات الهيدروغرافيا وعلم المحيطات والخرائطية البحرية، في انسجام تام مع المبادئ التي أرساها الملك محمد السادس في السياسة الإفريقية للمملكة، القائمة على التضامن، والتكامل، والتنمية المشتركة.

ولم يكن تنظيم هذه الندوة مجرد مناسبة تقنية، بل تجسيدًا حيًا للرؤية الملكية التي ترى في الفضاء الأطلسي محورًا استراتيجيًا للتعاون الإفريقي، حيث تتحول المعارف إلى جسور، والبحار إلى مجالات للسلام والتطور المشترك. إنها مبادرة ملكية تحمل في عمقها رسالة تضامن بين الشعوب الإفريقية، ورغبة في تحويل ثروات المحيط إلى مصدر للنمو لا للصراع.

الكونتر أميرال محمد طحين، مفتش البحرية الملكية، منح للحدث بعدًا عمليًا حين أشار إلى أن هذه الندوة تأتي امتدادًا للمؤتمر الثامن عشر للجنة الهيدروغرافية للمحيط الأطلسي الشرقي، الذي احتضنه المغرب في ماي من السنة الماضية، مؤكّدًا الحاجة الماسة إلى تنسيق إفريقي متين لفهم وإدارة الفضاءات البحرية التي توحّد القارة وتختبر سيادتها.

في كلمته، ربط طحين بين التعاون والتقدم، موضحًا أن إنشاء شبكة معارف متكاملة بين الدول الإفريقية هو السبيل الأمثل لتدبير مواردها البحرية بكفاءة، ومواجهة التحديات البيئية والأمنية التي تتربص بسواحلها. فالعلم هنا ليس ترفًا، بل درع سيادي في مواجهة الأخطار المتزايدة التي تهدد المحيط الأطلسي.

كما سلط الضوء على تجربة البحرية الملكية المغربية التي راكمت خبرة واسعة منذ تأسيس اللجنة الوطنية للتنسيق في مجالات الهيدروغرافيا وعلم المحيطات والخرائطية البحرية، تنفيذًا للتعليمات السامية للملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية. وهي لجنة تجمع مختلف الهيئات والفاعلين تحت مظلة واحدة، بما يضمن الانسجام في العمل والدقة في النتائج.

ولأن المغرب لا يحتكر المعرفة، أعلن مفتش البحرية الملكية استعداد بلاده لتقاسم خبرتها مع الدول الإفريقية، في بعد إنساني وعلمي وتقني، يترجم فلسفة المملكة القائمة على الشراكة لا الوصاية، وعلى التضامن لا التنافس. إنها دعوة صريحة لبناء مستقبل إفريقي قائم على الكفاءة الذاتية والسيادة العلمية.

الندوة التي تنظمها إدارة الدفاع الوطني والبحرية الملكية ما بين الثامن والعاشر من أكتوبر الجاري بالدار البيضاء، جاءت تنفيذًا مباشرًا للتعليمات الملكية السامية، واحتضنت مشاركات وازنة من دول إفريقية أعضاء باللجنة الهيدروغرافية للمحيط الأطلسي الشرقي، إلى جانب مسؤولين كبار من المنظمة الهيدروغرافية الدولية ومراكز أوروبية متخصصة، ما يعكس الثقة الدولية المتزايدة في القدرات المغربية.

الحدث لم يخلُ من رمزية سياسية وحكومية عميقة، إذ حضره وزراء وازنون، من بينهم وزير النقل واللوجستيك عبد الصمد قيوح، ووزير التجهيز والماء نزار بركة، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي عز الدين الميداوي، إلى جانب شخصيات اقتصادية مثل أمينة بنخضرة ومصطفى فارس، مما يدل على أن المغرب يتعامل مع الفضاء البحري بمنطق تكاملي يجمع بين العلم والاقتصاد، بين المعرفة والسيادة.

إن ما يقوم به المغرب اليوم ليس مجرد تحديث للأسطول أو دعم للبحوث العلمية، بل تأسيس لثقافة جديدة في التعاطي مع المحيط. ثقافة ترى البحر فضاءً للمعرفة والابتكار، لا ساحة للصراع أو الصيد الفوضوي. وبهذا، يرسخ المغرب حضوره كدولة نموذجية تجمع بين الرؤية الملكية المتبصرة والعمل الميداني المنظم.

لقد أدركت المملكة مبكرًا أن من يملك المعرفة يملك البحر، ومن يملك البحر يملك السيادة. ومن خلال مبادراتها المتتالية، تؤكد أنها لا تسعى فقط إلى حماية شواطئها، بل إلى بناء منظومة إفريقية متماسكة تجعل من القارة سيدة في مياهها، قوية في معارفها، مستقلة في قراراتها.

بهذه الخطوات، يثبت المغرب أنه لا ينظر إلى البحر من ضفة الرمل، بل من ضفة المستقبل.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك