أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
لطالما كانت الطبقة المتوسطة تشكل الدعامة الأساسية للاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي في المغرب، إذ تضم شرائح واسعة من الموظفين، صغار التجار، المقاولين الذاتيين، الحرفيين، وأرباب الأسر الذين يوفرون التعليم والصحة والسكن لأبنائهم بدون دعم مباشر من الدولة.
لكن خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في عهد حكومة عزيز أخنوش، بدأت هذه الفئة تتآكل بشكل ملحوظ نتيجة الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
ارتفاع تكاليف المعيشة دون ارتفاع مواز في الدخل
تعاني الطبقة المتوسطة من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، خصوصًا أسعار المواد الغذائية، الوقود، التعليم الخاص، التطبيب، والسكن.
ومع تجميد الأجور أو زيادات هزيلة لا تواكب التضخم، تراجعت القدرة الشرائية لهذه الفئة إلى مستويات مقلقة، ما أدى إلى انزلاق شريحة واسعة منها نحو الهشاشة أو الفقر.
السياسات الحكومية..دعم موجه لا يشمل "المتضررين الصامتين"
رغم إقرار الحكومة بدعم مباشر لبعض الفئات الفقيرة والهشة عبر السجل الاجتماعي الموحد، فإن الطبقة المتوسطة لم تستفد من أي دعم، لا على شكل إعفاءات ضريبية، ولا تخفيف لتكاليف المعيشة.
بل إن بعض القرارات، كرفع أسعار المحروقات وترك السوق لتقلبات العرض والطلب، زادت الطين بلة بالنسبة لهذه الفئة.
تآكل الطبقة المتوسطة..تهديد مباشر للسلم الاجتماعي
يرى خبراء الاقتصاد وعلم الاجتماع أن تفكك الطبقة المتوسطة يفتح الباب أمام انفجارات اجتماعية، حيث إن هذه الفئة كانت دائمًا عنصر توازن بين الأغنياء والفقراء.
ومع شعورها بالإقصاء والتجاهل، بدأت مؤشرات الاحتقان تتصاعد، كما برزت مظاهر الاستياء الصامت من خلال العزوف عن السياسة، وضعف الثقة في المؤسسات، والتعبير الغاضب على شبكات التواصل الاجتماعي.
تحذيرات دولية وتقارير مقلقة
في أكثر من تقرير، نبهت مؤسسات دولية كـالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى أن استمرار الضغط على الطبقة المتوسطة في المغرب بدون تدخلات حكومية واضحة قد يؤدي إلى هشاشة مجتمعية شاملة.
كما أشار تقرير حديث للمندوبية السامية للتخطيط إلى أن نسبة الطبقة المتوسطة في المغرب تراجعت من 53% سنة 2014 إلى أقل من 40% سنة 2024، وهو رقم يدق ناقوس الخطر.
ما هي الحلول لتفادي الأسوأ؟
إصلاح ضريبي عادل: يضمن تخفيف الضغط الضريبي على الطبقة المتوسطة ومراجعة الضريبة على الدخل.
دعم موجه للطبقة المتوسطة: عبر تقديم إعفاءات في التعليم والصحة أو دعم مباشر للأسر المتوسطة.
الرفع التدريجي للأجور: بشكل يواكب التضخم السنوي ويحمي القدرة الشرائية.
مراقبة صارمة للأسعار: خصوصًا في المواد الأساسية والنقل، وربط الدعم بالمستهلك النهائي.
توسيع قاعدة الحوار الاجتماعي: ليشمل ممثلي الطبقة المتوسطة من أساتذة، أطباء، مهنيين، وصغار المقاولين.
تحفيز السكن الاقتصادي والتمويل العقاري: لتيسير الولوج للسكن من طرف الطبقة المتوسطة.
هل نحن أمام زلزال اجتماعي وشيك؟
إذا استمر تهميش الطبقة المتوسطة، فإن المغرب يُخاطر بفقدان توازنه الاجتماعي. فهذه الفئة ليست مجرد شريحة اقتصادية، بل هي قوة استقرار، ومحرك إنتاج، ودرع واقي ضد التطرف والاحتجاجات العنيفة.
الكرة الآن في ملعب الحكومة: إما أن تتحرك سريعًا لتدارك الوضع، أو تواجه غضبًا اجتماعيًا كامناً قد ينفجر في أي لحظة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك