دعم الكتاب والنشر في المغرب.. تمويل محدود وأسئلة معلقة في ظل انتظارات كبرى

 دعم الكتاب والنشر في المغرب.. تمويل محدود وأسئلة معلقة في ظل انتظارات كبرى
ديكريبتاج / الأربعاء 09 يوليو 2025 - 08:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا

كشفت وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن نتائج الدعم العمومي لقطاع النشر والكتاب برسم سنة 2025، حيث تم الإعلان عن تمويل 379 مشروعا فقط من أصل 758 ملفا مرشحا، بغلاف مالي إجمالي لا يتجاوز 10 ملايين و909 آلاف درهم. وعلى الرغم من التصريحات الرسمية التي تتحدث عن "مواكبة القطاع" و"الارتقاء بصناعة الكتاب"، فإن الأرقام تكشف واقعا مختلفا تماما يطرح تساؤلات حقيقية حول مدى جدية الدولة في النهوض بالثقافة كرافعة للتنمية.

في الوقت الذي تتحدث فيه الوزارة عن دعم مجال نشر الكتاب بـ120 مشروعا فقط من أصل 386، أي أقل من الثلث، بغلاف مالي هزيل لا يتجاوز مليونين و321 ألف درهم، يبدو أن الدولة ما زالت تتعامل مع الثقافة بوصفها نشاطا ثانويا وليس قطاعا استراتيجيا، رغم كل الشعارات التي ترفع في المناسبات الرسمية.

أما المجلات الثقافية، والتي يفترض أن تكون منارات فكرية دائمة التأثير، فلم تحظ سوى بـ47 دعما من أصل 68، بمبلغ يقل عن مليون درهم، ما يكرّس وضع الهشاشة الذي تعاني منه هذه الفضاءات المعرفية، ويجعلها تحت رحمة الإغلاق أو التوقف في أية لحظة.

والأدهى من ذلك أن الدعم الموجه للمجلات الثقافية الإلكترونية لم يشمل سوى ثلاثة مشاريع فقط، بمبلغ لا يتجاوز 105 آلاف درهم، في وقت تتجه فيه القراءة نحو المنصات الرقمية، وتكاد تتلاشى الصحافة الورقية، مما يفضح انفصام القرار الثقافي عن الواقع الميداني وتحديات الرقمنة.

أما المشاركة في المعارض الدولية للكتاب، والتي يفترض أن تكون واجهة مشرفة لصورة المغرب الثقافية عالميا، فقد حصلت على تمويل بلغ حوالي أربعة ملايين و226 ألف درهم موزعة على 131 مشروعا، أي بمعدل لا يتعدى 32 ألف درهم لكل مشاركة، وهو مبلغ بالكاد يكفي لتغطية تكاليف السفر والإقامة دون الحديث عن الإنتاج أو الطبع أو الترويج.

كما أن الدعم المخصص للأشخاص في وضعية إعاقة بصرية لا يتجاوز 71 ألف درهم موزعة على خمسة مشاريع، وهو ما يعكس استمرارية التهميش المزدوج الذي يعانيه ذوو الإعاقة، سواء من حيث الولوج إلى الثقافة أو من حيث إدماجهم في آليات الإنتاج الثقافي الوطني.

أما دعم مكتبات البيع، والذي يشمل التحديث والتنشيط والإحداث، فقد شمل 71 مشروعا فقط، بغلاف لا يتعدى ثلاثة ملايين و195 ألف درهم، في ظل واقع مقلق تعاني فيه المكتبات من الإغلاق المتوالي والاختناق الاقتصادي.

ولا يخرج دعم إقامات المؤلفين عن هذا السياق البئيس، حيث لم يتعدَّ مشروعين فقط، بمبلغ لا يتجاوز 20 ألف درهم، وكأن الأمر يتعلق بمنحة رمزية لا ترقى لتشجيع الإبداع أو مواكبة البحث الأدبي والفكري.

إن قراءة متأنية لهذه المعطيات تكشف بالملموس أن الدعم العمومي لقطاع الكتاب لا يزال يراوح مكانه، ولم يحقق القفزة النوعية التي يطالب بها الكُتاب والناشرون والقراء على حد سواء. فالمبالغ الموزعة تبدو ضئيلة إلى درجة الاستفزاز، خصوصا إذا ما قورنت بقطاعات أخرى تحظى بأضعاف هذا التمويل دون مردودية واضحة.

كما أن عدد المشاريع المستفيدة لا يعكس حجم الحركية الثقافية بالمغرب، بقدر ما يعكس عقلية انتقائية ما زالت تشتغل بمعايير غامضة لا تتيح تكافؤ الفرص، ولا تضمن الشفافية الكاملة في تقييم الملفات.

ثم إن الحديث المتكرر عن "دفتر التحملات" و"معايير الجودة" لا يمكن أن يخفي واقع الإقصاء الذي يعانيه العديد من الفاعلين الثقافيين الذين يجدون أنفسهم خارج منظومة الدعم، إما لاعتبارات بيروقراطية أو لأسباب غير معلنة.

وإذا كانت الوزارة تعتبر هذا الدعم تجسيدا لإرادة الدولة في الارتقاء بصناعة الكتاب، فإن الأرقام المعلنة تدل على أن تلك الإرادة لا تزال شكلية، ولا تترجم على أرض الواقع إلا من خلال مبالغ هزيلة وقرارات انتقائية لا تساير دينامية القطاع ولا تواكب تطور المجتمع.

لقد أصبح من الضروري، اليوم قبل الغد، مراجعة شاملة لسياسة الدعم الثقافي بالمغرب، من خلال رفع الغلاف المالي بشكل حقيقي يتماشى مع حجم التحديات، وتوسيع قاعدة المستفيدين، وتبني معايير شفافة، والأهم من كل ذلك، الانتقال من منطق "المنح الموسمية" إلى سياسة عمومية ثقافية تضع الكتاب في صلب المشروع التنموي للمملكة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك