هل نُعيد تشكيل النخبة أم نُفرّغ الطموح؟ المغرب يُعيد تعريف "الكفاءة" بين عتبة 12 و30 سنة

هل نُعيد تشكيل النخبة أم نُفرّغ الطموح؟ المغرب يُعيد تعريف "الكفاءة" بين عتبة 12 و30 سنة
ديكريبتاج / السبت 21 يونيو 2025 - 22:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي

أثار قرار تحديد معدل عتبة ولوج كليات الطب في 12/20، وتحديد سن اجتياز مباريات التعليم في 30 سنة كحد أقصى، جدلاً واسعاً في المغرب، بين من يعتبره خطوة نحو "تجويد الكفاءات"، ومن يراه تكريساً للإقصاء المبكر لشباب في مقتبل النضج الأكاديمي أو المهني.

لكن خلف هذه الأرقام الباردة، تكمن أسئلة ساخنة: ما هي الكفاءات التي أصبح المغرب يبحث عنها؟ وهل يتم إعادة تشكيل "النخبة" على أسس جديدة؟ أم أن الأمر يتعلق بتدبير أزمات الهيكلة والمقاعد والتوظيف ليس إلا؟

الطب بعتبة 12/20: هل هو تسهيل أم تفريط في الجودة؟

تاريخياً، كان ولوج كليات الطب في المغرب حكراً على التلاميذ المتفوقين بمعدلات لا تقل عن 15 و16، نظراً للطابع الحساس والمسؤول لمهنة الطبيب.

لكن في تحول مثير، تم خفض العتبة إلى 12/20 فقط، ما يُعتبر خرقاً غير مسبوق لقواعد الانتقاء المعتمدة سابقاً.

السلطات تعتبر ذلك توسيعاً لقاعدة الأطباء المستقبليين في ظل الخصاص المهول في القطاع، حيث لا يتجاوز المعدل الوطني طبيباً واحداً لكل 1.400 مواطن.

لكن بالمقابل، يحذر الخبراء من أن هذا القرار قد يُهدد جودة التكوين الطبي، خصوصاً مع ضعف البنية التحتية التكوينية، وغياب مؤسسات استشفائية مؤهلة لمواكبة الارتفاع الكمي دون ضمان للمعايير الأكاديمية والمهنية.

التعليم وسقف الثلاثين:الشباب يُقصون باسم الكفاءة

في المقابل، جاء قرار تحديد سن الترشح لمباريات التعليم في 30 سنة كضربة موجعة لآلاف من الحاصلين على شهادات عليا تجاوزوا هذا العمر، ممن كانوا يعولون على قطاع التعليم كمجال استقرار مهني.

الحكومة برّرت القرار بـ"السعي إلى خلق جيل جديد من المدرسين أكثر شباباً ومرونة في التكوين، مع إمكانية التدرج المهني على المدى الطويل".

لكن الواقع يعكس إقصاءً ممنهجاً لأعداد كبيرة من المجازين وحملة الماستر والدكتوراه، الذين قضوا سنوات في التكوين، بل بعضهم شارك في برامج حكومية كـ"أستاذ متعاقد" ثم وجد نفسه خارج اللعبة.

من تُريد الدولة تكوينه إذن؟

في ظل هذه التحولات، تطرح أسئلة جوهرية:

هل نحن أمام إعادة تعريف لمفهوم الكفاءة؟

هل يُراد تشكيل طبقة مهنية جديدة أقل تكلفة وأكثر انضباطاً؟

أم أن الأمر مجرد تدبير ترقيعي لأزمة المقاعد والشغل؟

يبدو أن السياسة الجديدة تميل إلى "المردودية القصوى بأقل كلفة"، سواء من حيث التكوين أو سنوات العمل، خصوصاً مع ضغط الميزانية والكتلة الأجرية.

ففي قطاع الطب، يتم التركيز على "كمّ الأطباء" لتدارك الخصاص، بينما في التعليم، يتم البحث عن شباب يمكن تطويعهم وظيفياً وتربوياً، وربما سياسياً، على مدى عقود.

الأصوات المعارضة:كفاءات تُقصى قبل أن تكتمل

رفضت العديد من النقابات والتنسيقيات الشبابية هذه التوجهات الجديدة، واعتبرتها تقييداً لحق دستوري في الشغل. كما انتقدت تغييب الحوار المجتمعي والمؤسساتي في قضايا تمسّ مستقبل أجيال بأكملها.

في المقابل، يرد المسؤولون بأن "رفع جودة الخدمات يمرّ عبر رفع المعايير، وتحديد ملامح الموارد البشرية المستهدفة بشكل أكثر دقة وتخطيطاً".

بين تجديد النخبة وإقصاء الطموحات

التحولات الأخيرة في معايير ولوج المهن الحساسة تُظهر أن المغرب يسعى إلى هندسة جديدة لموارده البشرية، تحاول الموازنة بين الاستجابة للحاجيات الملحة، وتكلفة التكوين والتوظيف، والتحكم في سقف الأعمار.

لكن ما لم يتم الأخذ بعين الاعتبار هو أن الكفاءة ليست مجرد رقم في الشهادة أو العمر، بل نتاج تجربة، واستعداد نفسي، وسياق اجتماعي متغير.

وأمام هذا الواقع، قد يكون المغرب بصدد إعادة تشكيل النخبة، لكن بتكلفة إنسانية ومعنوية قد يصعب جبرها لاحقاً.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك